15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحاجة إلى سياسات تهتم بالأولويات

13 ديسمبر 2015

حضرت الأسبوع المنصرم مع جمع من الباحثين والأكاديميين، مؤتمر دراسات الخليج والجزيرة العربية بالدوحة، والذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدولة قطر، وقد طرح المنتدى محورين أساسيين في هذا المؤتمر وهما: قضايا التعليم وتحدياته بدول مجلس التعاون، وتحديات البيئة الإقليمية والدولية بدول المنطقة. ولا شك أن الظروف السياسية الراهنة، وعلاقة دول المنطقة بهذه المشكلات والتحديات، أخذت حيزا كبيرا من الاهتمام والمناقشات، على اعتبار أن السياسات الإقليمية والدولية، تعاني الكثير من المشكلات الراهنة، ولذلك اهتم لها الكثير من الباحثين لكونها منغلقة بأزمات المنطقة والتحديات القائمة في العراق وسوريا واليمن، وعلاقة الدول الكبرى بهذه الصراعات، ولاشك أن التعليم وتحدياته، لا تقل أهمية من الأزمات السياسية الراهنة، لأن التعليم الجيد، يؤسس لبيئة إيجابية طاردة للصراعات والتوترات كالهند وكوريا وسنغافورا وغيرها، فالكثير من المشكلات، سببها غياب المعرفة الصحيحة للواقع القائم بظروفه ومشكلاته، والتعليم الجيد يلعب دوراً محورياً في إبعاد الاحتقان والمشكلات السياسية التي أسبابها غياب فرص العمل الذي يتغذى منه التطرف والغلو والعنف، ويقتات منها، وتستفيد منها بعض الدول لأهداف ومرام سياسية وفكرية، لكن هذا لا يتحقق عندما تقوم الخطط والأفكار النيرة، بتأسيس رؤى إيجابية للتقدم والنجاح من خلال المعرفة العلمية والمنهجية المخططة على أسس سليمة، وهذا تحقق في دول عديدة، حققت نجاحاً كبيرا في جودة التعليم، وصعدت بأبنائها إلى مستويات كبيرة من الرقي العلمي والصناعي والمهني، وأسست تنمية مستدامة، تقترب من الدول التي سبقتها بعقود طويلة, ولذلك نحن بحاجة إلى سياسات تهتم بالأولويات، ونضع نصب أعيننا أنه لا يمكننا أن نخرج من هذا المربع الراهن، إلا بخطوات جديدة، نضع في حسباننا قضية التعليم على سلّم الأولويات، وهذا هو الذي سيحقق لنا التنمية المستدامة، والاستقرار المجتمعي، وينتهي معه التوترات والمشكلات التي تعتبر ذيول للإخفاقات، والإشكالية القائمة في بعض دول المنطقة، أن التعليم يعاني ارتباكات وأخطاء في المنهج والسياسات العامة لكيفية وضع أسس جيدة لتعليم ينقلنا إلى تنمية مستدامة، وهذا ما تحدث عنه العديد من المحاضرين في المؤتمر، القضية ليست أننا نريد أن نكون مثل دول بعينها، ونطبق مناهجها بحذافيره، ونتخلى عن الهوية والحاضنة الفكرية لمجتمعاتنا، وهذا لن يحقق نجاحاً ولن نحصل على الهدف الذي نسعى، فأي تعليم في الأمم والحضارات يحتاج إلى حاضنة فكرية، ولا يمكن أن نلغي الهوية واللغة والميراث الثقافي، ونعتقد أننا سنصل إلى أهدافنا في التعليم المنشود، فكل دول العالم التي صعدت متأخرة في العصر الحديث، لم تلغ ثقافتها، ولا لغتها، بل استفادة من التكنولوجيا المتقدمة من الدول المتقدمة مع الحفاظ على هويتها وثقافتها،وهذا تحقق مع اليابان وكوريا والهند ودول كثيرة،ويقول د. عبد الله البريدي في ورقته: (المأزق الهوياتي في مؤسسات التعليم الجامعي الخليجي)» إن ثمة شواهد وممارسات مستفيضة ودالة على حقيقة وجود «هجرة نحو اللغة الإنجليزية في السياقات البحثية والتدريسية في العلوم الإدارية والاقتصادية في مؤسسات التعليم العالي الخليجي ـ مشيرا ـ وجود عدد كبير من كليات الإدارة والأعمال والاقتصاد تتبنى الإنجليزية لغة للتدريس ومجالاً للبحث العلمي، ولم يكن ذلك مقتصراً على الكليات الخاصة ـ كما قال البريدي ـ بل يشمل تخصصات أخرى مندرجة ضمن العلوم الاجتماعية والإنسانية، فقد حولت ـ على سبيل المثال ـ بعض الجامعات الخليجية التدريس نحو الإنجليزية في تخصصات كالإعلام والاتصال الجماهيري.موضحا «نحن لسنا ضد تعلم الإنجليزية أو أي لغة أجنبية أخرى، بل إننا معه لتحصيل المنافع الكبيرة المترتبة على هذا التعلم، غير أننا نشدد على أن يكون ذلك وفق أطر مدروسة، مع اشتراط تحقيق النفع الخاص والعام في وقت لا تخل فيه بالسيادة اللغوية للضاد في سائر أراضيها وسياقاتها الوطنية والقومية والدينية والحضارية. إذن، أين المشكل؟ الإشكال يكمن في المبالغة في تحصيل اللغات الأجنبية أو في التحدث بها واستخدامها في سياقات لا تستدعيها أو لا تحقق نفعاً عاماً حقيقياً. وحذر، البريدي من اكتساح الإنجليزية لغة للتعليم بدول الخليج، قائلاً «تنبع الإشكالية البحثية من حقيقة تنامي استخدام اللغة الإنجليزية في مؤسسات التعليم العالي الخليجي، ليس في الطب والهندسة والعلوم البحتة فحسب، بل في تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية وهو الأخطر، وهو ما يعنينا أكثر في هذه الورقة، مما يخلق «مأزقاً هوياتياً»، له آثاره الفكرية والتنموية السلبية على المستويات المرحلية والإستراتيجية».