12 سبتمبر 2025

تسجيل

الرقص في ساحة الموت

13 ديسمبر 2013

لا أريد أن أبدو متشائما أو متحاملا حيال الحالة النفسية والاجتماعية في عالمنا العربي، ولكن هل لدينا فعلا ما يدعو إلى الابتهاج والفرح في وقت نعاني فيه كثيرا من مشكلات تتعقد يوما بعد يوم وعاما تلو الآخر؟! إننا في الواقع نمارس هروبا إلى الأمام من خلال تسطيح مشكلاتنا وأحزاننا ونتعامل معها وكأنها غير موجودة أو بعبارة مصرية "نكبّر دماغنا" لتصبح بذلك مثل كرة ثلج تكبر مع الوقت حتى تفوق طاقتنا وقدراتنا على الحل. أتوقف كثيرا عند برامج إعلامية تعزز ثقافة الانهزام والتجاهل والتسطيح العميق، مثل "ستار أكاديمي" و "أراب قوت تالنت" وغيرها، وأتساءل لماذا نستورد لشبابنا برامج غاية في الترف والهزال الفكري لنشغلهم بها عن التفكير بأفق واسع لصناعة مستقبل أفضل؟ تلك المجتمعات التي وصلت إلى هذه الحالة ليست لديها ذات المشاكل بل تجاوزتها وكانت فيما مضى تعمل وتتعلم وتبدع وتبتكر إلى أن وصلت إلى الحالة التنموية والفكرية والحضارية الراهنة التي تجعلها تمارس الترفيه كضرورة بعد تحقيق أساسياتها وضرورياتها وأوجدت حلولا لمشكلاتها. ليس مبدعا أن ننقل ونقلّد، وإنما الإبداع في الابتكار، ولو أن البرامج التي تحظى بمتابعة الشباب ركّزت على المواهب وما ينبغي أن يتعلموه من تجارب الآخرين والاتجاه بهم إلى فعل اجتماعي ووطني مهم وملهم ومحفز لهم لكان أفضل وأكثر جدوى مستقبلية وتنموية، وإذا نظرنا إلى واقعنا فإننا عراة نرقص وندّعي أننا مكسوون، فهناك بلاد مستلبة وحرائق تشتعل وأوطان منهارة ومجتمعات مخترقة ومشكلات داخلية كبيرة، وفقر ومرض وجهل، فكيف يمكننا أن نتجاوز كل ذلك لندخل شبابنا في متاهة برامجية ترفية سطحية تعزز قيم سلبية بديلة بعدم الاكتراث لبعضنا وآلامنا؟! والمؤسف أنه لا يمكن تأجيل هذه المظاهر الاحتفالية والبهجة غير المبررة حين نرى إخوتنا في سوريا يموتون يوميا بالعشرات، أو في الصومال أو في اليمن أو مصر أو ليبيا، لا يمكن ألا يتملكنا الشعور بالأسى على حال إخوتنا ونحن نراهم غير مستقرين ولا ينعمون بأقل الأمن، أو أننا نشعر بنقيضين ونفصل بينهما، نشعر بتلك الآلام نهارا وفي الوقت نفسه نرفه عن أنفسنا ونفرح ليلا، أي أننا نعاني ازدواجية في الحس والروح، لذلك لابد من مراجعة أخلاقية لحالنا النفسي والإنساني ونكف عن تسطيح واقعنا بهذه الصورة المبتذلة وإلا فستكون أصوات الرصاص هي أنغام الأجيال القادمة والحرائق سميفونية الحياة اليومية.