29 سبتمبر 2025

تسجيل

في حضرة الكتاب

13 ديسمبر 2012

عالم الكتب الساحر الذي نتسلل من خلاله إلى أفكار المبدعين وخلاصات عقول الفلاسفة والمفكرين... ينقلنا بين جنباته إلى قصور الملوك والسلاطين لنستمع إلى الشعراء والمنشدين والقيان والعازفين، ونكتشف مؤامرات ومكائد المتآمرين، وننتقل في غمضة عين إلى ساحات الوغى ومنازلات الفرسان المتبارزين، ويذيب قلوبنا بمطارحات المحبين، ويستفز عقولنا بنظريات العلماء واختراعات المخترعين ومواعظ الواعظين ومغامرات الرحالة والمستكشفين، وبين الخيال والواقع والأفكار والعلم يبقى الكتاب الذي ظل لقرون طويلة متربعاً على عرشٍ لا ينازعه فيه أحد وظل العنوان الأوحد للرقي التقدم. حضارتنا العربية والإسلامية ولدت من رحم الكتب التي أجاد العرب ترجمتها من لغات إهل الحضارات الأخرى التي سبقتنا في مضمار الحضارة مثل الإغريقية والفارسية والسريانية والرومانية وغيرها، ثم ليظهر فلاسفة ومفكرون من أعماق هذه الحضارة الناشئة الجديدة، لينقض إبن رشد أفكار أرسطو وينشيء الخوارزمي علم الرياضيات بصورته الحديثه ويسبق البيروني إسحاق نيوتن في إكتشاف الجاذبية الأرضية وينادي الإدريسي بكروية الأرض قبل نيكولا كوبرنيكوس. ويأتي بيت الحكمة في بغداد الذي كان أعظم إنجاز لخلفاء بني العباس كصرح كبير من صروح العلم والمعرفة الذي جُمعت في خزائنه آلاف الكتب المخطوطة في زمن كان الكتاب يخط باليد حيث لم تظهر للعالم بعد طابعة الألماني يوهانس جوتنبرج التي أتاحت الكتب للجميع وجعلتها في متناول كل يد. ويبدو الجاحظ الذي أفنى معظم سنوات عمره التسعين في كتابة وتأليف أمهات الكتب وإثراء الأدب العربي بكتابات فريدة مثل البيان والتبيين وكتاب الحيوان والبخلاء وغيرها ربما غير آسفٍ لأنه قضى نحبه تحت أكوام الكتب التي طالما أحبها وسقطت عليه وهو نائم. ولم يترك شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي الكتاب دون أن يعطيه حقه في التكريم إذ قال قوله الخالد: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب يزورنا في قطر معرض الكتاب الدولي في دورته الثالثة والعشرين هذه الأيام، وتمثل هذه المناسبة السنوية الاحتفالية الكبرى بالكتاب، وتذكره واستحضاره من غياهب النسيان ورد الاعتبار له ولو جزئياً، بعد إحكام وسائل الاتصالات الحديثة من إنترنت وهواتف ذكية سيطرتها على كل تفاصيل حياتنا، حيث انزوى الكتاب إلى زاوية صغيرة مظلمة قلما يلقي أحد بنظرة نحوها. ورغم الحفاوة الرسمية والمجتمعية الكبرى بهذا المعرض، ورغم إن الكثير من الناس يزورونه،إلا إن معظم الكتب التي يقبل عليها الزائرون لا تزيد على كتب الطبخ والمكياج والقصص البوليسية في أحسن الأحوال، وقد ينتهي بها المطاف لتوضع على الأرفف ليتجمع فوقها الغبار، أو تعرض في بيوت الأثرياء كجزء من الديكور.