14 سبتمبر 2025
تسجيليبدو أن العالم احتاج شهرا كاملا ليستوعب ما حدث وما يحدث في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي. شهر من القتل والقصف والدمار الشامل الذي طال كل شيء تقريبا في قطاع غزة على يد الصهاينة كان كافيا ليستيقظ العالم من غيبوبته التي رأى فيها المقاومة وكأنها الشيطان الرجيم الذي تسبب بهذه الحرب كما صورت له البروباغندا الصهيونية. في البداية كان الجميع ضد غزة مساندا للكيان الصهيوني فيما اعتبروه محنته بعد أن قامت حماس بالهجوم على المستوطنات. كان المشهد يوم السابع من أكتوبر مفاجئا وغريبا ما جعل الكثيرين يتعاطفون مع الصهاينة وهو يرون سكان المستوطنات إما قتلى أو مصابين أو أسرى بأيدي المقاومين الفلسطينيين. وما ضاعف من غرابة المشهد وقسوته على هؤلاء أنهم كانوا يرونه لأول مرة في حياتهم، خاصة وأن الإعلام الصهيوني أولا ثم الغربي المنحاز قدم لهم ذلك المشهد مقتصا من سياقه التاريخي الذي يبدأ بتاريخ احتلال فلسطين. وبالتالي كان من الصعب فهم القصة كلها منذ البداية. لكن حكومة نتنياهو أعادت شرح القضية في سياقها التاريخي الحقيقي من دون أن تعي ذلك أو تقصده، من خلال عنفها غير المسبوق في قصف غزة واستهداف كل شيء فيها. المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والشوارع والملاجئ والبيوت، بل حتى المناطق التي قالت إنها ستكون آمنة لتشجيع سكان مدينة غزة على النزوح إليها. عنف القصف وغطرسته مقابل التعامل الفلسطيني معه بذلك الصبر النبيل والشجاعة في المواجهة الأخلاقية كانا عاملا حاسما في بدء التحول لدى كثيرين حول العالم. المسألة إذن لم تكن هجوما من المقاومة الفلسطينية على المستوطنين الآمنين في بيوتهم كما قالت الدعاية الصهيونية، بل كانت ردا على عقود طويلة من الاحتلال والقتل والتهجير وسرقة البيوت والتجويع والحرمان من كل شيء تقريبا في فلسطين المحتلة، أما غزة تحديدا فقد تحولت منذ عقد ونصف الى سجن كبير يعيش فيها أهلها بلا أي منفذ طبيعي لهم على العالم، محاطين بمستوطنات يسكنها صهاينة مسلحون أتوا من كل بقاع العالم لمجرد أنهم يهود مؤمنون بفكرة الصهيونية العنصرية، فسكنوا في تلك المستوطنات متربصين بمن هم داخل السجن الكبير موجهين أسلحتهم نحوهم ليلا ونهارا لاصطيادهم على سبيل التسلية أحيانا وحسب!. هكذا بدأت تتضح ملامح الصورة الحقيقية التي رسمت بدماء الصغار والكبار وهي تسيل على أرض غزة طوال شهر كامل قبل أن تبدأ ملامح التحول في تلقي الرسائل الفلسطينية الموجهة لشعوب العالم بعيدا عن حكوماته في أغلب الأحوال. المظاهرات في بريطانيا وفي كندا وفي أمريكا وفي فرنسا أصبحت في الأيام القليلة الماضية هي الأضخم عالميا في مساندة الحق الفلسطيني، رغم أن حكومات هذه الدول من أشد المساندين لحكومة الكيان الصهيوني والداعين لاستمرار القصف على غزة. فنانون كثيرون من نجوم هوليود بدؤوا يرفعون أصواتهم عالية في سبيل وقف القصف وتهجير أهالي غزة من بيوتهم على الأقل. ورياضيون وجماهير استغلوا وجودهم في الملاعب ليرفعوا اسم فلسطين وعلمها وينادون بوقف القتال. مشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي ذهبوا أبعد من ذلك فبدؤوا في التعرف على الثقافة الإسلامية التي أنتجت هذا النوع من التسليم بالموت انتظارا لما بعده من حياة أبدية. القضية الفلسطينية كلها أصبحت حاضرة في الذهن ومحلا للتساؤلات. لماذا يبدو الفلسطيني بهذا التسليم وهو يحمل جثامين صغاره ذهابا الى المقبرة؟ لماذا تخرج الأم الفلسطينية متعالية على آلامها وجراحاتها لتقول للعالم إنها رغم كل شيء راضية بقضاء الله وقدره؟ لماذا يتمسك الفلسطيني بأرضه الى هذا الحد الذي يفضل معه الموت على اللجوء أو الهجرة أحيانا؟ ولماذا تساند أمريكا المحتلين الصهاينة ضد أصحاب الأرض؟ لم تتوقف الحرب بعد، وقوافل الموت ما زالت تسير نحو مصائرها في معركة الحق والباطل، لكن الوعي الجديد جدير بالوقوف عنده حصادا لثمرة من ثمرات الحرب، فهل هي بداية لعودة الوعي بالحالة الفلسطينية؟.