12 سبتمبر 2025

تسجيل

موتى قطع غيار وخواتم

13 نوفمبر 2018

يعتقد الغربيون أنهم أوصياء على كوكب الأرض، بشراً وحيوانات وجمادات، وينسبون كل الفضائل إلى أنفسهم، وبالتأكيد فهم متفوقون علينا في كثير من الميادين العلمية والمعرفية، ولكن ذلك لا يعطيهم حق الوصاية علينا، مهما تشدقوا بالقيم والمثل وصاغوا اللوائح والمواثيق، وألبسونا شتى أنواع التهم: تخلف على ارهاب على كباب. أستحضر الآن ما حدث لمراسل بي بي سي المخضرم في واشنطن ألستر كوك الذي مات عن 95 سنة، ثم اكتشفت ابنته لاحقاً أن هناك من قام ببتر ساقيه ويديه، وبيعهما لمستشفى لزرعها في بعض ضحايا الحوادث المرورية، وقبل نحو شهرين أيضاً اكتشفت الشرطة الألمانية أن ثلاثة من عمال محرقة للجثث، ظلوا وعلى مدى عشر سنوات يكسبون شهرياً نحو سبعة آلاف دولار من بيع الأسنان الذهبية للموتى، وكشف تحقيق الشرطة أنهم كانوا يستخدمون الكماشات لخلع الأضراس (بدون بنج- تخيّل) قبل حرق الجثث، بل كانوا في بعض الأحيان يستخدمون المنخل/الغربال للبحث عن أسنان ذهبية وسط رماد الجثث التي لم ينتبهوا لوجودها قبل الحرق. المضحك والمبكي في آن، هو أن أمر هؤلاء الثلاثة انكشف لأن سيدة (بلا قلب) تذكرت أن زوجها الراحل كان لديه عدة أسنان مكسوة بالذهب وقالت: خسارة أن تحرق تلك الأسنان وأنا أولى بها، فقررت استردادها، ودخلت المحل الذي كان فيه التابوت الذي يضم جثمانه، توطئة للتوجه به إلى المحرقة، وفوجئت بأن أسنانه الذهبية (طارت)، فأحضرت الفواتير الصادرة عن طبيب الأسنان، والتي تؤكد أن الراحل العزيز كان قد تزود بعدة أسنان ذهبية على فترات متباعدة، فتم القبض على الرجال الثلاثة، وما زالوا رهن الاعتقال في انتظار المحاكمة. وربما يذكر من قرأ لي هنا بانتظام حكاية الأرملة البريطانية التي اتفقت مع ابنتها على الاحتفاظ بجثمان الزوج/ الأب على «أحسن» حال، فاتفقتا مع شركة على حرقه ثم هرس رماد عظامه تحت ضغط شديد جدا بدرجة محسوبة، ونجحت الفكرة وحصلوا على فص ماس/ ألماظ، (وهو حجر كريم ينجم عن انضغاط الكربون الشديد)، ووضعت البنت الفص على خاتم، وصارت تغني «بابا خاتم»، بدلا من «بابا أوبح». وربما كتبت عن الحكاية التالية من قبل، ولكن لا بأس من إيرادها مجدداً علها تكون عظة لمن لا يحترم حرمة الموتى: ففي مدينة **** في وسط السودان، والتي قضيت بها معظم سنوات صباي وشبابي الباكر (يعني ما زلت في مرحلة الشباب المتأخر)، كان هناك رجل مجنون يسير في الشوارع وفجأة ينفض يده اليمنى ويرفعها إلى أعلى وهو يصيح: فك (أترك). كان الرجل فيما مضى ممرضاً في مستشفى المدينة، وذات يوم أتى الإسعاف إلى المشرحة بجثمان شخص كان قد توفى في حادث مروري، وانتبه الممرض إلى أن المتوفى يرتدي ساعة جميلة، فقرر التسلل إلى المشرحة بعد هبوط الظلام لسرقة الساعة، وكان بالمدينة متشرد سكير قادته قدماه إلى المستشفى، وأحس بالنعاس فقرر دخول المشرحة، وكانت غرفة كئيبة تبعد كثيراً عن بقية مباني المستشفى، ولم يجد المتشرد سوى نقالة عليها ذلك الميت، فألقى به أرضاً وتمدد على النقالة بعد أن غطى جسمه بالملاءة (الشرشف) البيضاء، وبعد قليل تسلل الممرض إلى المشرحة وحرص على عدم استخدام الإضاءة، وتحسس يد الشخص الممدد على النقالة بحسبانه الميت (أبو ساعة حلوة)؛ فإذا بـ (الميت) ينتزع يده من يد الممرض بعنف وهو يصيح: فك.. وهكذا ازداد عدد المجانين في المدينة واحداً، لأن الممرض ظل منذ يومها يمشي في الشوارع وتنتفض يده اليمنى هلعاً، ويصيح: فك (لأن الميت صاحب الساعة ما زال يرفض لمسة يده). [email protected]