15 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر الحصول على سعر عادل لبرميل النفط قضية أساسية للبلدان المصدرة ، بل إنه شكل أحد الأسباب الرئيسية لتأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" في عام 1960 عندما كان البترول يباع بسعر التراب ولا يتجاوز دولارين للبرميل الواحد. ومنذ ذلك الوقت مرت أسعار النفط بتقلبات حادة وخاضت منظمة الأوبك صراعا مستمرا من أجل تثبيت الأسعار عند مستويات عادلة تعكس أهمية هذه المادة ، كمصدر للطاقة من جهة و كعائدات تنموية للبلدان المنتجة من جهة أخرى. وكرد على محاولات الأوبك أقدمت البلدان الرئيسية المستهلكة للنفط على تأسيس وكالة الطاقة الدولية في منتصف السبيعينيات، وذلك بعد أن تضاعفت أسعار النفط لترتفع من دولارين للبرميل إلى أحد عشر دولارا في غضون أشهر قليلة. هذا الصراع السعري بين البلدان المنتجة والمستهلكة اتخذ أشكالا ومساومات عديدة تفاوتت خلالها الأسعار بصورة كبيرة انعكست على الاقتصاديات النفطية إيجابا وسلبا تبعا لارتفاع وانخفاض الأسعار . وفي الوقت الذي التزم فيه معظم البلدان المصدرة بأسعار السوق صعودا وهبوطا، فإن بلدان أخرى اتخذت خطوات لضمان عائدات ثابتة من خلال سياسات التحوط hedging” " بغض النظر عن مستويات الأسعار في الأسواق الفورية ، حيث تتيح مثل هذه السياسات تجنب الالتزام بخيار واحد يتمثل في البيع وفقا لأسعار السوق السائدة. وحتى الآن ، فإن المكسيك تعتبر الدولة الوحيدة المصدرة للنفط التي تتبع سياسة التأمين على سعر البيع عن طريق عقود بيع الخيارات " put options "وهو عبارة عن تأمين مقابل عمولات وبأسعار ثابتة متفق عليها لفترة زمنية محددة وتخضع مثل هذه التوجهات لتقديرات وتوقعات خاصة بأسعار السلع ، كالنفط والمواد الأولية الأخرى ، حيث حددت المكسيك خيار سعر البيع مؤخرا عند 75 دولارا للبرميل، فعند انخفاض السعر عن 75 دولارا ووصوله إلى 60 دولارا على سبيل المثال ، فإن المكسيك سوف تكسب 15 دولارا لكل برميل ، أما في حالة ارتفاع الأسعار عن 75 دولارا للبرميل ، كما هو الحال في الوقت الحاضر والذي يبلغ فيه سعر "نايمكس" الذي يسعر به الخام المكسيكي 93 دولارا، فإن المكسيك تملك حرية تحديد خياراتها وفقا لمصالحها. ونظرا لتوقعات متخذ القرار القطري بإمكانية انخفاض أسعار النفط في العام القادم 2012، فقد قررت قطر مؤخرا أن تحذو حذو المكسيك وتؤمن سعر 200 ألف برميل يوميا أو ما يشكل ربع إنتاجها من النفط و المقدر بـ 800 ألف برميل يوميا من خلال شراء عقود بيع الخيارات ، وبسعر ثابت لم يعلن عنه ، حيث يشكل ذلك اتجاها جديدا في سياسات النفط الخليجية والعربية بشكل عام. والسؤال المهم هنا يكمن في مدى أهمية هذا الاتجاه الجديد لاستقرار عائدات النفط ، وبالتالي الموازنات السنوية والأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة ، ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي ؟ من حيث المبدأ لا تخلو أنشطة قطاع الأعمال بصورة عامة من تحمل بعض المخاطر والتي يمكن من خلالها تحقيق بعض المكاسب متى ما بنيت التوقعات على أسس مدروسة وموضوعية وبعيدة عن التهويل والمبالغة ، وفي حالة سياسات التحوط من خلال الخيارات ، فإن هناك تكلفة عالية لعملية التأمين والعمولات ، وهو أمر مهم يجب أخذه بعين الاعتبار عند اتباع هذه السياسات. لذلك ، فإن توجه قطر لتأمين سعر بيع النفط عن طريق عقود الخيارات وبالاتفاق مع بنوك استثمارية عالمية له ما يبرره ، إذ أنه بهذه السياسة المتحفظة يمكن تحقيق بعض المكاسب في حالة انخفاض الأسعار ، كما هو متوقع وفق التقديرات القطرية. وفي نفس الوقت ، فإنه من المهم أن تحدد الفترة الزمنية لعقود التحوط بشكل عام، فأسعار النفط لا تخضع لاعتبارات تجارية فقط ، فالأحداث السياسية والأمنية والاحتياطات الاستراتيجية والمضاربات تلعب دورا مهما في تحديد الأسعار، حيث يصعب التكهن بهذه التطورات على المدى البعيد. وفي كل الأحوال، فإن أمام قطر ودول مجلس التعاون والبلدان العربية بشكل عام التجربة المكسيكية والتي لا بد من تقييمها والاستفادة منها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب ، كما أنه لا بد وأن تكون لدول المجلس مراكز لأبحاث صناعة النفط للتأكد من اتجاهات الأسعار وعدم ارتهانها للمضاربين واعتماد مؤشرات موضوعية وعلمية لتحديد هذه الاتجاهات السعرية، ففي الفترة السابقة تحملت بلدان وشركات كبيرة خسائر جسيمة من جراء تعاملها ببعض أنواع عقود التحوط، كالعقود المستقبلية مما يتطلب الحذر الشديد والمتابعة الدقيقة لتطورات الأسواق، وذلك قبل اعتماد أي من سياسات التحوط المتعددة واتخاذها كأحد الخيارات الرامية إلى الحد من التأثيرات السلبية لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية.