13 سبتمبر 2025
تسجيلحيثما وليت وجهك في مدن دولة قطر إلا وقابلتك بصمات تحضر، لكنها تتوشح دائما بلمسات من الثقافة والتراث وتعكس رؤية قيادة البلاد وفلسفتها الإستراتيجية للتحديث في كل مناحي الحياة، ولم يقف الأمر عند حدود قطر بل تعداه إلى العالم العربي من إشاعة الثقافة والعلم وتدعيم مكانة اللغة العربية سواء عبر قناة الجزيرة الشهيرة وأخواتها مثل قنوات الأطفال والتي كان لها الفضل بعد الله عز وجل في تقويم اعوجاج السن البراعم وتنشئتهم على حب لغتهم التي هي الوعاء الحضاري والثقافي لكل تفاصيل الوجود على هذه الأرض الطيبة وغيرها من بلدان العرب والمسلمين. ولم تقف جهود قطر عند هذا الحد بل عززت كل ذلك بقانون لحماية اللغة العربية لغة القرآن الكريم التي يتحدث بها أكثر من 422 مليون إنسان، ويبدو أن هذا القانون لن يكون حبرا على ورق يتضح ذلك من خلال إلزام الوزارات والمؤسسات الرسمية، والمؤسسات التعليمية الرسمية في جميع مراحل التعليم، والبلديات، باستخدام اللغة العربية في جميع ما يصدر عنها من أنظمة وتعليمات ووثائق وعقود ومعاملات ومراسلات وبرامج ومنشورات وإعلانات، كما تلتزم الجامعات القطرية العامة ومؤسسات التعليم العالي التي تشرف عليها الحكومة بالتدريس باللغة العربية في جميع العلوم والمعارف، وهذا ما أصبح يطبق بالفعل. مؤخرا أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة تعميما بشأن إلزام التجار والمستثمرين بتعريب الإعلانات وبيانات السلع والخدمات والفواتير وكل ما يتعلق بحقوق المستهلكين وتوفير موظفين يتكلمون اللغة العربية، ومنحت الوزارة مهلة 31 مارس 2017 وبعد هذا التاريخ يصبح من لم يلتزم عرضة للمساءلة القانونية. عندما سئل أحد العلماء الغربيين عن سبب تخلف العرب والمسلمين؟ قال بكل وضوح إن ذلك يعود لارتكابهم خطأ معرفيا وحضاريا وهو التفكير بلغة غيرهم وهذا ما جعلهم كالغراب وقصته الشهيرة الذي حاول أن يقلد مشية الحمامة لكنه فشل وعندما اقتنع بفشله حاول العودة إلى مشيته الأصلية فلم يستطع لأنه نسيها، فكان كلما حاول المشي يتعثر.. لقد أضاع الغراب مشيته الأصلية وفشل في تقليد مشية الحمامة، وهذا ربما ما أدركته قطر بوقت مبكر فسارعت إلى وضع حد لكل ما يجعل الثقافة والتراث في المراتب الثانوية، ولذلك فقد اختطت طريقا فعالا لدمج التراث بالعملية التعليمية في المدارس وتنمية الصورة الإيجابية للغة العربية كلغة حضارية وثقافية بين أوساط الجيل الجديد في محاولة لإعادة هذه اللغة إلى الحراك المجتمعي والإنساني. خبراء تربويون وعلماء في الاجتماع يحذرون من مجاملة الوافد الأجنبي على حساب لغة البلد الذي يقيم فيه ولذلك يجب العمل على تسهيل تعليم اللغة العربية وأن تقوم الجمعيات الخيرية والمؤسسات والمنظمات العلمية والثقافية بطباعة كتيبات تتضمن مفردات ومصطلحات يكثر تداولها وترجمتها إلى لغات أخرى لكي يسهل تعلم اللغة العربية على نطاق واسع، ويشعر الزائر والمقيم أنه يتعامل مع أناس يعتزون بلغتهم وتراثهم، وأذكر أنني زرت العاصمة الفرنسية منذ سنوات وواجهني موقف في مطار شارل ديغول عندما وجهت سؤالا لأحد العاملين في المطار باللغة الإنجليزية فتظاهر بعدم معرفة اللغة الإنجليزية ليجبرني على التحدث معه باللغة الفرنسية والتي كنت لحسن الحظ أتقنها، تصرف هذا العامل موقف ثقافي جعلني أدرك أن اللغة فعلا أحد مكونات الهوية وسر تطور الأمم حيث لم تقف اللغة اليابانية التي تبلغ حروفها الآلاف عائقا عن جعل اليابان بلدا عظيما، بل لقد ردت على قصف هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية عام 1945 بالعلم ولغته الأصلية الذي مكنها من غزو أسواق الأعداء وإغراقها بالسلع الحيوية. قطر اليوم أصبحت علما يشار إليه بالبنان في كل المجالات السياسية والإعلامية والرياضية والثقافية وجمعياتها العلمية والخيرية يصل إشعاعها إلى مديات بعيدة، وهي اليوم تضيف قيمة حضارية جديدة تجسد رؤية 2030 الرامية إلى تحويل قطر إلى مجتمع متقدم قادر على تحقيق التنمية المستدامة، يتمثل ذلك في تمكين اللغة العربية في المجتمع، وهذا هو بداية الطريق الصحيح، فالغرب عندما بدأ السير على جادة التقدم والنهضة نقل علومنا وترجمها إلى لغته، وما يميز قطر عن غيرها من البلدان التي تطمح إلى النهوض الذاتي أن لها قيادة سياسية تؤمن بأن السبيل الوحيد للتقدم هو الجمع بين الأصالة والمعاصرة.