12 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة مالية أمريكية مستجدة

13 أكتوبر 2013

إذا مرض الاقتصاد الأمريكي، فإن اقتصادات بقية بلدان العالم تصاب بالحمى، هذا هو وضع الاقتصاد الدولي وربما يمتد إلى حين، إذ إن لهذا الوضع ما يبرره، فالاقتصاد الأمريكي يشكل 20% تقريبا من الناتج العالمي، هذا عدا الدور المهيمن للدولار في المعاملات المالية والنقدية وحجم الاستثمارات الأجنبية، بما فيها العربية في الولايات المتحدة. وكما هو الحال تأزمت الأوضاع المالية هناك مؤخرا بسبب رفض الكونجرس لمشروع الميزانية، مما أدى لتوقف جزء من نشاطات الحكومة الاتحادية، علما بأن هناك موضوعا آخر قادما أكثر أهمية وتحديا للاقتصاد العالمي، وهو موضوع رفع سقف الدين الأمريكي والمقرر تبنيه أو رفضه بعد أيام قليلة بتاريخ 17 أكتوبر الجاري. وإذا كان موضوع الميزانية يتعلق بشأن أمريكي داخلي بصورة أساسية، فإن موضوع سقف الدين العام يعتبر مسألة دولية تمس اقتصادات معظم البلدان، وهو ما يثير مخاوف قد تعرض العالم لأزمة جديدة تتجاوز مخاطرها الأزمة المالية التي حدثت قبل خمسة أعوام ومازالت تداعياتها تتوالى. ماذا يمكن أن يترتب على عدم رفع سقف الدين؟ يبلغ حجم سقف الدين العام الأمريكي حاليا 16.7 تريليون دولار وهو قريب من حجم الناتج المحلي، إلا أنه لا يفي بغرض تسديد الالتزامات المالية المترتبة على واشنطن، مما يتطلب رفع السقف وإلا واجهت الحكومة خطر التخلف عن السداد. وبما أن الكثير من البلدان، بما فيها العديد من البلدان العربية الغنية تستثمر مئات المليارات من الدولارات في سندات الخزانة الأمريكية، فإن عدم القدرة على السداد سيلحق بها خسائر جسيمة، خصوصا وأن بعض البلدان تعتمد جزئيا على عائدات الخزينة في تمويل بعض مشاريعها التنموية، كما أن عدم القدرة على السداد سيعرض الأوضاع المالية الدولية لانتكاسة خطيرة في ظل أوضاع اقتصادية مهزوزة وغير مستقرة ناجمة عن الأزمة السابقة. وإلى جانب الصين واليابان، فإن السعودية من خلال مؤسسة النقد أو البنك المركزي، فإن معظم أصولها البالغة 690 مليار دولار مقومة بالدولار، مما يضعها على قائمة أحد أكبر حاملي سندات الحكومة الأمريكية، وذلك إضافة إلى أن أصول العديد من البلدان العربية الأخرى مقومة بالدولار كذلك، مما يعني أن الأزمة الأمريكية فيما لو حدثت سوف لن تستثني أحدا. ومع أنه من المرجح أن تقر الميزانية وأن يرفع سقف الدين العام لتتمكن الولايات المتحدة من الإيفاء بالتزاماتها، إلا أن ذلك لن يتم بسهولة، إذ هناك تصفية حسابات بين إدارة أوباما وبين خصومه "الجمهوريين"، وبالأخص اعتراضهم على برنامج الرعاية الصحية أو ما يعرف "بأوباما كير"مما يعني أن الاقتصاد العالمي قد يتعرض لهزة مؤقتة، على اعتبار أن البديل هو إفلاس الحكومة الأمريكية وهو ما لم يتحمله الاقتصاد العالمي. ولكن إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة رفع سقف الدين العام؟ سؤال آخر مهم، فالاقتصاد الأمريكي ليس في أحسن حالاته، كما أن ميزان القوى الاقتصادية في العالم لا يسير لصالحها، فهناك البلدان الناشئة بقيادة الصين وبلدان الاتحاد الأوروبي برئاسة ألمانيا والعولمة وانفتاح الأسواق واشتداد المنافسة، كلها عوامل لا تصب لصالح الاقتصاد الأمريكي المعتمد على الديون للمحافظة على قوة اندفاعه الضعيفة. وإذا ما استمر الحال على هذا المنوال، فإنه سيأتي اليوم الذي تعجز فيه الولايات المتحدة عن الإيفاء بالتزاماتها المالية، فسقف الدين ربما تجاوز الحدود القصوى أو هو في طريقه إلى ذلك، مما يهدد بالانهيار الاقتصادي. من هنا لابد من التفكير منذ الآن في مسألة الاستثمارات الخليجية والعربية المقومة بالدولار، بما فيها سندات الخزانة الأمريكية، إذ إن ما يحدث الآن هو ناقوس خطر لابد من الانتباه إليه والاستفادة من تطوراته من خلال إعادة رسم خريطة الاستثمارات في الخارج بصورة أكثر توازنا لتعبر عن الاصطفاف الجديد للقوى الاقتصادية الدولية.