20 ديسمبر 2025
تسجيلبمناسبة الذكرى العشرين للحادي عشر من سبتمبر 2001 التي قلبت موازين العلاقات الدولية، وجرت على أمريكا والشرق الأوسط حربين شبه عالميتين على العراق وأفغانستان، وهما اليوم بعد عقدين من الزمن يضمدان جراحا عميقة، كما تضمد الولايات المتحدة وحلفاؤها نفس الجراح وتعيد حساباتها وتعيد توزيع قواتها ومناطق حضورها. فكرت في تقديم حديث مفيد جدا للقراء الأكارم ينفع هذه الأيام أجريته مع صديقي (ليندن لاروش) المرشح الأسبق للرئاسيات الأمريكية ورجل الاقتصاد مؤلف عشرة كتب في الاقتصاد الأمريكي والعالمي وهو نصير القضية الفلسطينية والحقوق العربية من خلال مجلته السياسية الراقية (أكزيكيتيف أنتليجنس ريفيو) التي نشرت بعض مقالاتي، وأعرض هنا أبرز فقرات الحديث الذي اجريته على ضفاف نهر الراين بألمانيا مع المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الأمريكية وعالم الاقتصاد المعروف ليندن لاروش، في سبتمبر 2002 الذكرى الأولى للعدوان الارهابي على نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001. قال لي لاروش: «ان الولايات المتحدة الأمريكية تعيش اخطر ازمة وأعمق كسر منذ نهاية حرب فيتنام. فحرب فيتنام وجدت كذلك هي الاخرى نفس الصقور ودعاة الخراب الذين برروها للشعب الامريكي بتعلات ضرورة انقاذ جنوب شرقي اسيا من المد الشيوعي وكانوا كذلك قسموا العالم الى محور الخير الديمقراطي الليبرالي ومحور الشر الشمولي الشيوعي. وقد كلفت هذه النظريات الطوباوية الشعبوية الشعب الأمريكي غالياً. واليوم بعد 11 سبتمبر 2001 نفس النظريات لنفس المصالح تكرر التعلات لإعلان الحرب على العراق واطلاق يد شارون فيما تبقى من ارض وشعب فلسطين، كأنما مقاومة الارهاب هي دين أمريكا الجديد او المبتدع بينما الارهاب في الحقيقة ظاهرة هلامية غير محددة بدين او بدولة او بحضارة. وهو نتيجة تراكم اخطاء في حسابات الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وما فرضته على بقية العالم من نهج (بريتون وودز) وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، واليوم بنهج العولمة الجائرة وايقاف التضامن الدولي الحقيقي وضرب المجتمعات المدنية وإلغاء القانون الدولي لتعويضه بقانون الغاب واذكاء الصراعات القومية والطائفية والجهوية ثم اعلان صراع حضارات! يغلف نوايا الهيمنة والطاغوت بقناع الاختلاف الحضاري والثقافي بين ما يسمى الغرب وما يقابله من عالم اسلامي وعالم كنفوشي «نسبة لكنفوشيوس أي الصين تحديدا» والحلول التي ما فتئت ادعو اليها ومنذ اربعين عاما هي حلول التضامن الحقيقي والفعال بين دول أمم حرة وذات سيادة من اجل التقدم والسلام مثل العودة الى طريق الحرير الذي كان يربط بين اوروبا واسيا وافريقيا. فالتضامن الانساني يمر عبر حوار الثقافات والاديان واعتبار ما يجري في قارة اخرى يهمك شخصيا في النهاية، مثل قضية وباء الايدز التي نبهت اليها في مطلع الثمانينيات محذرا الدول الغنية ـ في ذلك الزمن المبكر ـ من ان مرض الايدز الذي لم يكن وباء آنذاك سيصبح فاجعة العصر لأن الفيروس لا يعرف الحدود ولا يقف عند الجمارك، وناديت بحملة تضامنية احترازية ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى استفحل الخطب واصبح ضحايا الوباء في كل دول العالم يعدون بعشرات الملايين، وقس على ذلك معضلات البيئة ونقص الغذاء وشح الادوية وتناقص المياه. والفجوة المتعمقة باستمرار بين الفقراء والاغنياء، وهذه الفجوة هي التي اقترحنا لها حلولا تنموية وصناعية. واقترح لها اعداؤنا امثال (ماك كايسن) و(جوزف ليبرمان) و(صمويل هنتنجتون) حلولا اخرى تتمثل في اعلان الولايات المتحدة الحرب الشاملة ضد الشعوب التي تسميها هي «مارقة» اي في الحقيقة رافضة للانتحار البطيء. وذلك ما جرى في افغانستان وقبله في فيتنام وقبله في اليابان حيث دمرت مدينتان بالقنابل النووية ونفس المنطق الاجرامي الحربي يجر اليوم الولايات المتحدة لحرب ضد العراق وربما ضد امم اخرى حسب مخطط اصبح مع الاسف يضعه (ارييل شارون) لما يعتقد انه يخدم اسرائيل. واستمع اليوم الى اصوات ترتفع ضد حرب العراق من (كسينجر) نفسه ومن (كولن باول) ومن (شوارسكوف) بالاضافة الى تنامي شعور الخوف من هذه المغامرة الذي حشد الاتحاد الاوروبي كله تقريبا بزعامة (شروريدر) و(شيراك) وجانب هام من الطبقة السياسية البريطانية الموالية تقليديا للولايات المتحدة. اما المحيطون بالرئيس (دبليو بوش) من جناح العسكريين والمتمعشين من الصناعة الحربية والمضاربة بالاسواق فهم بالطبع يدفعون في اتجاه الحرب من اجل ما يسمونه: (الاحتواء) وهي عقيدة وزير الخارجية الاسبق جون فوستر دالاس. عوض الاقرار بعجز الولايات المتحدة عن ان تصبح قوة ثقافية واخلاقية للجم وترشيد قوتها العسكرية والتكنولوجية وما بين الحمائم والصقور يظل الرأي العام الأمريكي ـ والغربي عموما ـ متأرجحا يعاني من عملية التلاعب بالعقول التي تتقنها اجهزة الاعلام التابعة لهذه اللوبيات المؤثرة والمنادية بالحرب. والامل معقود ـ كما يؤكد ليندن لاروش ـ على التغيير الحاصل في صلب الرأي العام الامريكي فقد تحركت مجلة «تايم» لتقول في الاسبوع الماضي بأن حال افغانستان اليوم هو أسوأ مما كان عليه قبل الحرب الامريكية «للقضاء على الارهاب». [email protected]