15 سبتمبر 2025

تسجيل

أيها العرب أفيقوا...التحقوا بالنظام العالمي البديل

13 سبتمبر 2016

تتلاحق الأحداث الجسام في بلداننا العربية وحولها بوتيرة يومية لتعلن عن ظاهرة استثنائية عالمية قد لا يتفطن لها العالم العربي، ونحن معتادون على الغفلة وعدم الاهتمام بما يمس مصالحنا الحيوية وأمننا القومي وهويتنا الأصيلة في زمن لا يغفر للغافلين غفلتهم وفي زمن نطلق عليه نعت العولمة. يكفي أن نقرأ التحولات العميقة التي تضمنها بيان مؤتمر القمة للعشرين الأقوى الذي انعقد في الصين يومي 4 و5 سبتمبر الجاري لندرك حجم ومدى التغيير في طبيعة العلاقات الدولية، حيث استفاقت الأمم الأخرى على الحقائق الطارئة والمفروضة على الناس جميعا. أكبر وأخطر هذه الحقائق هي إفلاس النظام العالمي الأطلسي التقليدي الجائر الذي نشأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتشكل حسب مصالح وإرادة الدول الكبرى المنتصرة على الأعداء النازيين في ألمانيا والفاشيين في إيطاليا والمتجبرين في اليابان، أي أولئك الذين يسمون تحالفهم بدول المحور حين هزمتهم جيوش أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي (آنذاك) واستسلم المهزومون الثلاثة بعد قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية في أغسطس 1945، وشرع الغالبون يقسمون الدول المهزومة إلى مقاطعات تخضع لهم وعاقبوها بإذلالها وحرمان شعوبها من أن تكون لهم دول مستقلة أو جيوش أو حتى رايات تمثل سيادتهم. والكبار من القراء عايشوا الحرب الباردة بين المعسكرين الليبرالي الذي تتزعمه واشنطن والشيوعي الذي تتزعمه موسكو. وهندس هؤلاء المنتصرون "سيستم" يضمن على المدى البعيد سيطرتهم ويضمن خضوع المهزومين، ولكنه "سيستم" يضمن لهم كذلك استمرار عجز الشعوب المستضعفة عن التحكم في مصائرها، ومن هذه الشعوب نحن العرب ولم نكن طرفا لا في الحرب ولا في السلم بل حشرونا حشرا في خانة سموها "دول العالم الثالث"، أو بنعت ألطف "الدول السائرة في طريق النمو"، واكتشف جيلنا العربي أن النمو لا يزال بعيد المنال، وتساءلنا في كتبنا ومؤتمراتنا عن طريق النمو الموعود، وقلنا إما أننا نزحف كالسلاحف على الطريق وغيرنا يجري كالغزلان وإما أننا أخطأنا الطريق أصلا! وتشكل ما سموه النظام العالمي منذ 1945 على قياس المنتصرين فأسسوا منظمة الأمم المتحدة بمبادئ سامية ونوايا طيبة لكنهم وضعوا في ميثاقها لغما يسمى "حق النقض" (الفيتو)، فاستعملوه على سبيل المثال ضد الحقوق الفلسطينية 73 مرة. ثم فكروا في الهيمنة على الاقتصاد العالمي فأسسوا سوقين للمال يتحكمان في مسالك التجارة العالمية وتداول العملات وقيمة المواد الأولية وأسعار الطاقة، والسوقان هما "وول ستريت" في نيويورك و"السيتي" في لندن (وقد ولدا في مؤتمر بريتن وودس في يوليو 1944 مع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي)، وهما يسيطران إلى اليوم على 76% من اقتصاد العالم. ثم بطبيعة تشابك الاقتصادي مع السياسي انتهكت حرمات الشعوب المستضعفة وديست مصالحها الحيوية وصفيت قضايانا المركزية مثل الملف الفلسطيني وانهارت حرياتنا وهوياتنا بفعل الغزو الممنهج واستمر النظام العالمي لمدة سبعين عاما، وهو ليس نظاما بل هو فوضى أقنعونا بأنها خطوط حمراء لا يجوز الاقتراب منها أو التشكيك فيها! وأذكر للتاريخ وللحقيقة أني حالفني الحظ بالتعرف منذ أكثر من ثلث قرن على المفكر الاقتصادي الأمريكي ومستشار الرئيس ريغن في الثمانينيات السيد "ليندن لاروش" وزوجته السياسية الألمانية السيدة "هلجا لاروش" رئيسة معهد "شيلر" الدولي، وشاركت في مؤتمرات عديدة نظماها في واشنطن وبون وباريس وفرانكفورت وتحاورت معهما في عديد المناسبات، وكانا يحملان هذه الأفكار منذ الثمانينيات وينددان بالظلم المسلط على الأمم ويدعوان إلى تأسيس نظام عالمي عادل، وبالطبع كانت كل أجهزة الإعلام الغربية تكيل الشتائم لهما وتروج أن هذه الأفكار هي متطرفة وخيالية (أقوى وسائل الإعلام كانت ولا تزال أذرعا للإمبراطوريات المالية). أدركت شخصيا اليوم أن إصرار السيد "لاروش" على مبادئه ودفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني أثمر بعد عقود، وأن زعماء أمثال بوتين وأردوغان والرئيس الصيني كسي جين بنغ وأن نخبا من دول أوروبية وآسيوية ومن أمريكا الجنوبية يجسدون اليوم حلم "لاروش". وظهر ذلك في الاتجاه السليم الذي توخاه مؤتمر قمة العشرين الأقوى "جي20" الذي انعقد في مدينة "هانغ زهو" منذ أيام وافتتحه الرئيس الصيني بالقول إنه على قادة العالم اليوم أن يتحالفوا لهندسة نظام اقتصادي ونقدي واستراتيجي وثقافي جديد ومختلف عن النظام القديم. كما علق السيد لاروش على نتائج المؤتمر قائلا إنه أكبر انتصار للبشرية. وبالفعل رأينا كيف اتجهت تركيا إلى موسكو لطي صفحة الخلافات وتدشين مرحلة جديدة من التفاهم لإيجاد حلول عادلة ومعقولة ومقبولة لأزمات الشرق الأوسط وأولها المأساة السورية. وقرأنا في بيان المؤتمر دعوة بيجين إلى إنشاء تحالف تكنولوجي بين الدول العشرين لتبادل المهارات في تسخير التكنولوجيا للسلم والتقدم وسعادة البشر، ولا ننسى أن للصين أقوى برنامج لغزو الفضاء بعد أن تعطلت برامج واشنطن وموسكو ورأينا نشأة مؤسسات مالية جديدة لتكون النواة الصلبة للنظام البديل وهي المصرف الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وأسهمت في رأسماله ستون دولة، ثم مصرف التنمية لدول "بريكس"، أي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وهو تجمع دول قوية صاعدة قرر قادتها في قمتهم (يونيو 2016) توحيد جهودهم وتنسيق اقتصاداتهم خارج منظومة الأطلسي المنهارة. كل هذه المبادرات لخصها السيد "لاروش" في عبارة "طريق الحرير الجديدة"، أي ربط شعوب العالم بشبكة من الجسور التجارية والمسالك الاتصالية والمراهنة على التعاون الاقتصادي وتبادل الخيرات والخبرات وإحلال السلام عوضا عن النظام العالمي الأطلسي الغربي الذي يكتفي بإدارة الأزمات وتهيئة العالم للمواجهات العنيفة باللجوء للحروب لا بقصد إحلال السلام بل من أجل تكريس هيمنة الغرب المستكبر على حضارات الأمم الأخرى، بنفس منطق الاستعمار القديم الذي زرع في وجدان بعض نخبنا العربية بواسطة القصف الإعلامي أن شعوبنا مغلوبة عاجزة، وأنه أجدر بنا أن نتبع ملتهم في اللغة والقوانين واللباس والمأكل والمشرب. من هذا المنظور فإن تشكل نظام عالمي بديل هو في الحقيقة اعتراف بالمساواة بين الحضارات من دون الصدام الذي تصوره المفكر الأمريكي "صامويل هنتنجتن"، والذي كرسه في بداية القرن سياسات المحافظين الجدد بزعامة الرئيس بوش الابن. لسنا محتاجين إلى كثير من الحجج لنبرهن على أن مشروع المحافظين الجدد سقط مع الزمن وأثبت فشله المحتوم، والدليل على ذلك أن حروب الحلفاء سنة 2001 ضد طالبان بتلك الصورة نتجت عنها اليوم سنة 2016 ثلاثة طالبانات عوضا عن واحدة، أي طالبان أفغانستان وطالبان باكستان وطالبان كشمير، ونتج عنها أن بؤر الإرهاب التي كانت خمسة أصبحت تتجاوز الثلاثين في كل القارات!