30 أكتوبر 2025
تسجيلمع دخول التحالف الدولي المضاد لحركة ( داعش) بعد أن هيمنت على شمال العراق وقسم من شرقي سوريا، لمرحلة العمل المباشر عبر تهيئة الأرضية السياسية والميدانية للعمل العسكري المباشر الذي سيلهب الشرق من جديد بعناصر توتر لا تحتاجها شعوب المنطقة أصلا وهي تعيش تداعيات الحروب الكارثية والعبثية التي قطعت أوصال المنطقة وفرضت وقائع درامية محزنة ما زالت الشعوب تدفع أثمانها حتى اليوم.. فالثورة الشعبية في سوريا والتي انطلقت شرارتها السلمية المحضة قبل أكثر من ثلاثة أعوام ونصف حولها النظام السوري من خلال ألاعيبه الاستخبارية لمذبحة حقيقية ولحرب أهلية دموية مؤسفة تخفى تحت شعاراتها النظام وهو يدعي حربه ضد الإرهاب الدولي متناسيا بأن مصانع مخابراته كانت المنتج الأول لذلك الإرهاب الذي صنعته وأبدعت في إنتاج شخوصه ومسمياته وفي تصديره المتقن لدول الجوار كما أثبتت الوثائق المعروفة وجميع الأدلة النقلية والحسية، في العراق اليوم تتجمع كل عوامل الحرب الجديدة ضد تنظيم (داعش) والذي لا يحتاج القضاء عليه لكل ذلك الحشد المهول فيما لو كانت المقاربات السياسية في العراق قد استطاعت تحقيق العدالة بين المكونات العراقية.. وفيما لو قاد العراق نظاما سياسيا حقيقيا عادلا وملتزما بحقوق الناس وبمنهجية بناء الدولة على أسس سليمة من الإرادة الوطنية الحرة.. ولكن فترة حكم سنوات المالكي الثمانية العجاف وما تخللها من فظائع وأفعال شنيعة قد أدت في المحصلة لتكسيح العراق وتهشيمه ونهبه أمام عيون الأشهاد، فكانت الحروب الأهلية المؤسفة التي رسخت الانقسام المجتمعي وأنهكت الحصانة والمناعة الداخلية للدولة العراقية التي تقودها اليوم الميليشيات الطائفية والتي لا تقل هي الأخرى إرهابا ودموية عن عصابة ( داعش)، فهي تتمتع بنفس المواصفات والمقاييس الدموية ولها نفس الممارسات والأساليب الوحشية. وما تفعله ميليشيات (الحشد الشعبي والجهاد الكفائي) في القرى والمدن العراقية من أعمال نهب وحرق للمساكن وحتى الجثث البشرية!! بات من الأمور التي تتطلب معالجة عاجلة لم تتح للأسف فرصة تعميمها دوليا، وبما يعني بأن الحرب ضد الإرهاب الداعشي ستكون حربا ناقصة وفاقدة لمصداقيتها فيما لو لم يتم التعامل على قدر المساواة مع جميع عصابات القتل والتكفير الطائفية المنتشرة طوليا وعرضيا في العراق. ولعلها من أعجب الأمور أن تدور رحى الحرب ضد ( داعش ) في العراق والشام بينما لا تزال الحكومة العراقية تخوض حربها المدمرة ضد المدن العراقية المنتفضة أيام حكومة المالكي وحيث لا زالت الفلوجة ومدن الأنبار الأخرى تتعرض للقصف اليومي بالطائرات وبالبراميل القذرة ويتم قتل المدنيين بدم بارد ! ثم يتحدثون بعد ذلك عن المصالحة الوطنية !؟ إذا أريد فعلا الانتصار على داعش ومنع أخطارها وتفتيت دولتها فلابد من إنصاف أهل السنة في العراق وإيقاف التعديات وسحب السلاح من الميليشيات الطائفية، وتوحيد الجهد الوطني نحو البناء الوطني الحقيقي بدلا من تعميق الحروب والخلافات الخرافية!، وهي جميعها من مسؤولية الحكومة العراقية الجديدة وحيث تقف اليوم مصداقيتها أمام المحك والاختبار الميداني، فبالجدية والعمل المباشر ورفع المظلومية ستتغير الكثير من الأمور وأهمها انحسار الإرهاب بكل صيغه وأشكاله المتحولة. المهمة صعبة وحساسة دون شك، ولكن توفر الإرادة والدعم الدولي والإقليمي كفيل بإعادة الأمل لوحدة النسيج الوطني العراقي الذي تتناهشه اليوم الميليشيات الطائفية الإرهابية.طريق الخلاص من (داعش) يبدأ بالتخلص من الطائفية السياسية وإفرازاتها الرثة.. إنها حروب الفرصة الأخيرة قبل الانهيار الكبير لا سمح الله، فهل ستكون إدارة الصراع السياسية على قدر المسؤولية؟.. ذلك هو التساؤل الأكبر.