15 سبتمبر 2025
تسجيلربما لم يكن يدري كثيرون قبل اندلاع الثورة السورية أن النظام الحاكم في دمشق ينتمي للأقلية الدينية الشيعية العلوية، وأن الأغلبية السنية محرومة من الحصول على نصيب من السلطة. حيث كانت المناصب القيادية، خاصة في مؤسسات الدولة المهمة، يتولاها العلويون، وإن كان هناك بعض السنة في هذه المواقع فهم من المؤيدين لاستمرار النظام العلوي. ولسنا في حاجة إلى التذكير أن سيطرة الأقلية العلوية على الحكم في دمشق، والتي كانت بتأييد من قوى الاستعمار خاصة فرنسا، ثم الدعم والمساندة من قبل الدولة الإيرانية الشيعية، هي أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورة، بسبب المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بسيطرة الأقلية على الأغلبية. وهذا هو الحادث في إثيوبيا، حيث سيطرة الأقلية المسيحية (والتي لا تزيد نسبتهم على 35%) على السلطة وإقصاء الأغلبية المسلمة (التي تصل نسبتهم لـ55%) عن مؤسسات الدولة. ويعود السبب في ذلك إلى إجبار القوى الاستعماريَّة المسلمين الذين يمثِّلون ثلثَيْ سكان الحبشة (إثيوبيا وإريتريا) على الخضوع لحكم قبيلة الأمهرة المسيحية، خاصة بعد سقوط الحكم الإسلامي للحبشة والذي استمر لأربعة قرون متصلة حتى عام 1887م. ومع تزايد المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع سيطرة الأقلية المسيحية على الحكم، بدأت ثورات الأغلبية المسلمة حتى عاد الحكم الإسلامي للحبشة مرة أخرى على يد الحاكم "ليج ياسو" الذي أعلن إسلامه في عام 1913. لكن ذلك لم يستمر طويلا بسبب تدخل الدول الأوروبية التي عملت على إقصائه من الحكم، وتعيين الإمبراطور هيلاسيلاسى، الذي قام بوضع " ليج ياسو" في السجن مدَّة عشرين عامًا إلى أن مات هناك في عام 1936م. عادت ثورات الأغلبية المسلمة مرة أخرى وظهرت منظمات تقود الكفاح ضد حكم الأقلية، فظهرت جبهات تحرير إريتريا والأوجادين، وجبهة تحرير التيجري والجبهة الإسلامية لتحرير أورومو، وحدث تحسن طفيف على أوضاع المسلمين بإثيوبيا. لكن استمرار المظالم والإصرار على إعطاء البلاد هوية مسيحية على حساب الأغلبية المسلمة، إضافة إلى التدخل المباشر في شؤون المسلمين الدينية، من خلال فرض طائفة الأحباش الضالة باعتبارها الممثل الشرعي للمسلمين، أعاد ثورات الأغلبية مرة أخرى، حيث تشهد البلاد تظاهرات كبيرة منذ العام 2011 وحتى الآن، خاصة من جانب شعب الأورومو، وهم أكبر جماعة عرقية مسلمة في إثيوبيا، وذلك اعتراضًا على خطة سحب الأراضي من المزارعين، في إطار خطة الحكومة لتغيير خريطة العاصمة وزيادة امتدادها الجغرافي. والتي لم تكن الأولى، حيث سبقتها حالة شبيهة خلال بناء سد النهضة، حين انتزعت أراضيهم من دون أي تعويض. وقد اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش، الحكومة الإثيوبية باستخدام القوة المميتة في التعامل مع المتظاهرين السلميين، حيث تم قتل العشرات من المحتجين وجرح آخرين. لكن حكومة الأقلية في إثيوبيا تنفي ذلك وتفرض تعتيمًا إعلاميًّا واسعًا على ما يجري في البلاد، بما في ذلك القنوات الفضائية التي بدأت الحكومة في التشويش على محطاتها التي تنقل الاحتجاجات حتى تقطع الطريق على المعارضين الذين يرسلون فيديوهات أو صورًا توضح الوحشية التي يتعرضون لها على يد الحكومة. لكن رغم عنف الحكومة ضد المتظاهرين، فما زالت تظاهرات قبيلة الأورومو مستمرة، خاصة أيام الجمع والأعياد، حيث يطالبون بمبدأ حق تقرير المصير والاستقلال عن إثيوبيا. ولذا يرى أبناء القبيلة أنهم يخوضون حرب استقلال ضد استعمار الأقلية الحاكمة. وقد انضمت إلى تلك التظاهرات قبائل "أوجادين"، التي تسكن غرب الحبشة والتي يقام على أرضها سد النهضة، وقبيلة "بني شنقول" وتسكن وسط الحبشة، وقبيلة "عفر" التي تسكن شمال الحبشة. ويرى بعض قادة المعارضة الإثيوبية الذين يعيشون خارج البلاد، أن تلك التظاهرات هي بداية الثورة التي ينتظرونها للإطاحة بحكم الأقلية، وتأسيس حكم ديمقراطي حقيقي في البلاد يقضي على المظالم التي يتعرض لها الشعب خاصة الأغلبية المسلمة.