16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); إنّ هدف الحكومة المتمثّل في تحويل قطر إلى اقتصاد قائم على المعرفة، يشمل أساساً تشجيع التوسع في القطاعات الثانوية والثالثية في الاقتصاد، أي الصناعة والخدمات. ولا يزال قطاع النفط والغاز هو المهيمن حالياً على الاقتصاد القطري، بما يمثل نحو نصف النشاط الاقتصادي في البلاد. وفيما يضطلع تطوير البنية التحتية بدور مهمّ في تحويل الاقتصاد القطري، فإنّ الأسعار المعقولة للعقارات (خاصة المساكن والمساحات المكتبية ذات الأسعار المعقولة) يمكن أن تكون مهمّة بالقدر ذاته في جذب العمال ذوي الياقات البيضاء وتشجيع نمو الأعمال التجارية الصغيرة.مازال قطاعا التصنيع والخدمات في قطر صغيرين نسبياً بالمقارنة مع المعايير الدولية. وكنسبة من الاقتصاد غير النفطي، فإنّ القطاع الصناعي يحتلّ نحو 15 بالمائة من النشاط الاقتصادي في حين أن قطّاع البناء والتشييد يسهم بحوالي 19 بالمائة من النشاط الاقتصادي. ويمثل قطّاع الخدمات (باستثناء الخدمات الحكومية) حوالي 46 بالمائة من النشاط الاقتصادي غير النفطي. ويتعيّن على هذه القطاعات أن تنمو بشكل كبير للسماح بحدوث تحول اقتصادي في البلاد. خذ على سبيل المثال سنغافورة، وهي دولة ذات اقتصاد قائم على المعرفة المتطورة، فإنّ قطّاع التصنيع يسهم بحوالي ثلث إجمالي الناتج المحلي، فيما يسهم قطاع الخدمات بنحو 64 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي.وسيبرهن اللحاق بركب سنغافورة على صعوبته، فخلال الفترة الزمنية 2006-2012، رصدت وزارة التخطيط التنموي والإحصاء انخفاضاً في متوسط إنتاجية العمل (الناتج الإجمالي لكل عامل) بمعدّل 4 بالمائة سنوياً في القطاع غير الهيدروكربوني (الذي يعرّف بأنه جميع الأنشطة الاقتصادية التي تستثني التنقيب والتعدين). بطبيعة الحال، فإن هبوط الإنتاجية لم يكن هو نفسه في جميع القطاعات والأنشطة. فقد شهدت قطّاعات التصنيع، والنقل، والاتصالات زيادات معتدلة في الإنتاجية. بيد أنّ قطاعات البناء والتشييد جنباً إلى جنب مع الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالتجارة والمطاعم والفنادق، شهدت انخفاضاً في إنتاجية العمل، مع أداء في القطاع المالي والأنشطة ذات الصلة، يعدّ الأسوأ بين جميع القطاعات.إنّ الانخفاض العام في إنتاجية العمل، والذي يتطابق مع نمو في عدد السكان العاملين يفوق النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، يجعل الاستثمار في هذه القطاعات أقل جاذبية. فانخفاض إنتاجية العمالة، يترجم في نهاية المطاف بارتفاع التكاليف الحدية للإنتاج، وبالتالي انخفاض هوامش ربح الشركات. ويبقى من غير الواضح لماذا تقلصت إنتاجية العمل خلال هذه الفترة، ولعلّ ارتفاع أسعار العقارات هو الذي أسهم في هذا التوجه.إن نظرة سريعة على الأرقام تبين أن أسعار العقارات السكنية ارتفعت كثيراً خلال العقد الماضي. مؤشر أسعار العقارات، وهو مقياس وضعه مصرف قطر المركزي لأسعار العقارات المتداولة، يبين أن الأسعار ارتفعت بمعدل 14 بالمائة سنوياً خلال الفترة 2006-2012. يقيس المؤشر التغيرات في أسعار العقارات المتداولة بما في ذلك مبيعات الأراضي، والفيلات والوحدات السكنية، باستخدام البيانات الشهرية الصادرة عن وزارة العدل. تغطي البيانات بلديات الدوحة، والريان، وأم صلال، والوكرة، والخور، والظعاين، والشمال. وشهدت الإيجارات أيضاً انتعاشاً في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع في معدلات إيجار العقارات السكنية والمكتبية الراقية بمعدّل 10-15 بالمائة بالمقارنة مع مثيلاتها في مواقع مماثلة في دبي.تُرى، هل جعلت هذه التوجّهات من أسعار المساكن والمساحات المكتبية عبئاً لا يمكن تحمله؟ في الواقع، فإن متوسط إنتاجية العمل كان ينخفض في العقد الماضي في حين كانت أجور عمال القطاع الخاص تشهد زيادة مطردة. ربّما كان الأمر يعود إلى ازدياد إنتاجيّة العمّال، وإلى أن الشركات باتت تدفع المزيد للاحتفاظ بعمّالها الأكثر إنتاجاً، أو إلى أن العمال باتوا يتلقون أجوراً إضافية للتأكد من قدرتهم على تحمل تكاليف المعيشة في قطر، والتي تتضمن ازدياد أسعار الإيجارات. بيد أن اتجاهات إنتاجية العمل في قطر كانت تشير إلى أن زيادة الأجور عكست على الأرجح ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد.يمكن لارتفاع أسعار العقارات أن يسهم في خفض إنتاجية العمل عن طريق تثبيط العمال ذوي الياقات البيضاء المؤهلين ودفعهم للإحجام عن الانتقال إلى قطر، أو من خلال جعل الأمر أكثر صعوبة على روّاد الأعمال في العثور على مساحات مكتبية بأسعار معقولة لشركاتهم الصغيرة. وسيبحث العمال ذوو الياقات البيضاء، الذين يعدّون عنصراً مركزياً في بناء اقتصاد المعرفة، عن فرص أفضل في أماكن أخرى إذا لم تكن الأجور عالية بما يكفي لتغطية الإيجارات، فيما روّاد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة التي تستهدف دول مجلس التعاون الخليجي يميلون إلى إنشاء متجر لهم في واحدة من العديد من المناطق الحرة في دول الخليج المجاورة. إنّ جعل إيجارات العقارات ميسورة أكثر، من خلال أسعار أرخص للأراضي، أو من خلال تشجيع إعادة تطوير المناطق التجارية الثانوية، من المرجح أن يساعد في عكس هذا الاتجاه السلبي.يعدّ متوسط إنتاجية العمل مقياساً مهماً لأداء الاقتصادات. إذ أنّ الإنتاجية الأعلى تترجم إلى أرباح أعلى للشركات، وفي نهاية المطاف إلى أجور أعلى للعمال. يتركز النقاش في العديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي على أسباب عدم انعكاس إنتاجية العمل الأعلى- في السنوات الأخيرة- في متوسط أجور أعلى. وفي حالة قطر، فقد ارتفعت الأجور كلّها فيما انخفضت إنتاجية العمل. إن ضمان أن تكون أسعار المساحات السكنية والمكتبية في المتناول، سيجعلها أكثر جاذبية للعمال ذوي الياقات البيضاء وروّاد الأعمال، بما يتيح استقطابهم للقدوم والعمل في قطر، وبالتالي المساعدة في تنويع اقتصاد البلاد.الدكتور طارق خوري، محلّل اقتصاديّ أول في مؤسسة "صلتك".