12 سبتمبر 2025
تسجيلانتشرت قصائد الصوفية في أرجاء العالم العربي قديما وحديثاً، ومن الطبيعي أن تصل هذه القصائد إلى المغرب العربي وبلاد الأندلس ويتعامل معها شعراء الصوفية في تلك البقاع، ويحذوا حذو شعراء المشرق العربي، ومن قصيدة للشاعر أبو البركات بن الحاج المتوفي سنة 1372م نختار هذه الأبيات: يأبى شجون حديثيَ الإفصاحُ إذ لا تقوم بشرحه الألواحُ قالت صفيَّة عندما مرَّت بها إبلي أتنزل ساعةَ ترتاحُ فأجبتُها لولا الرقيبُ لكان لي ما تبتغي بعد الغدوِّ رواحُ قالت وهل في الحيُّ غيرنا فاسمح فديتُك فالسماحُ رباح فأجبتها إن الرقيب هو الذي بيديه منا هذه الأرواحُ وهو الشهيد على موارِدِ عبده سِيّان ما الإخفاءُ والإيضاح قالت وأين يكون جودُ الله إذ يُخشى ومنه هذه الأفراحُ فافرح على اسم الله جلَّ جلاله واشطح فنشوانُ الهوى شَطّاحُ وارهج على ذِمَمِ الرجال ولا تخف فالحلمُ رحبٌّ والنَّوال مباح وانزل على حكم السرور ولا تُبل فالوقتُ صافٍ ما عليك جُناحُ وانظر إلى هذا النهار فسِنُّهُ ضحكت ونور جبينه وضَّاح وانظر إلى الدنيا بنظرةِ رحمة فجفاؤها بوفائها ينزاحُ لا تعذلِ الدنيا على تلوينها فلليلها بعد المساءِ صباحُ فأجبتها لو كنتِ عالمةَ الذي يبدو لتاركها وما يلتاحُ من كل معنى غافضٍ من أجله قد ساحَ قوم في الجبال وناحوا حتى لقد سكروا في الأمر الذي هاموا به عند العيان فباحوا لعذرتني وعلمت أني طالبٌ ما الزهدُ في الدنيا له مفتاحُ فاترك صفيَّك قارعاً باب الرضى والله جلَّ جلاله الفتَّاحُ يا أخت حيَّ على الفلاح وخَلّني فجماعتي حثّوا المطيَّ وراحوا ومن الشعراء الذين تطرقوا في قصائدهم وأبدعوا في مجال الشعر الصوفي الشاعر أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي الذي يقول في إحدى قصائده الصوفية: يا سالبَ القلبَ منِّي عندما رَمقا لم يبقِ حبُّكَ لي صبرا ولا رَمقا لا تسألِ اليوم عما كابدت كَبِدي ليت الفراقَ وليت الحبَّ ما خُلقا ما باختياري ذقت الحب ثانية وإنما جارت الأقدارُ فاتَّفقَا وكنت في كَلَفي الداعي إلى تلفي مثل الفَراشِ احَبَّ النارَ فاحترقا يا من تجلى إلى سرِّي فَصَيّرني دَكاً وهزَّ فؤادي عندما صعقا انظر إليَّ فإن النفس قد تلفت وارفق عليَّ فإن الروح قد زَهَقا وقد اشتهر الشاعر أبو البقاء الرندي الأندلسي المتوفي سنة 1285م في مدينة مالقة.. وقد اشتُهر الرندي بقصيدته التي قالها في رثاء الأندلس لما تنازل ابن الأحمر عن هذه القلاع والمدن للأعداء: لكل شيءٍ إذا ما تَم نقصان فلا يُغرَّ بطيبِ العيشِ إنسانُ هي الأمورُ كما شاهَدتها دولُ من سَرَّه زَمنٌ ساءَته أزمانُ وهذهِ الدارُ لا تُبقي على أحدٍ ولا يَدومَ على حالٍ لها شانُ يُمزِّقُ الدهرُ حتماً كل سابغةِ إذا نَبت مَشرفياتٌ وخرصانُ ويُنتضى كل سيفٍ للفناءِ ولو كان ابن ذي يَزنٍ والغمد غمدانُ أين الملوكُ ذوو التيّجانِ من يَمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ وأين ما شاده شُدادُ في إرمٍ وأين ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ وأين ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ وأين عادٌ وشًدادٌ وقَحطانُ أتى على الكلِّ أمر لا مَرَدَّ لهُ حتى قَضَوا فكأنَّ القومَ ما كانوا وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلِكٍ كما حَكَى من خَيالِ الطَّيفِ وسنانُ دارَ الزمانُ على دارٍا وقاتِلهِ وأمَّ كِسرَى فما آواهُ إيوانُ كأنما الصعب لم يسهل له سَببٌ يومأً ولا مَلَكَ الدنيا سُليمانُ فَجائعُ الدهرِ أنواعٌ مُنوَّعةُ وللزمانِ مَسرَّاتَ وأحزانُ وللحوادثِ سِلوانُ يُهوِّنها وما لما حَلَّ بالإسلام سِلوانُ دَهَى الجزيرة أمرٌ لا عَزاءَ لهُ هَوَى لهُ أحُدٌ وانهَدَّ ثَهلانُ أصابها العَينُ في الإسلامِ فارتزأت حتى خَلَت منه أقطارٌ وبلدانُ فاسأل بلنسيةَ ما شأن مرسية وأين شاطبةٌ أم أين جيَّانُ وأين قرطبة دار العلومِ فكم من عالمِ قد سَمَا فيها لهُ شانُ وهذا الشاعر أبو عمر سالم بن صالح الهمداني المالقي المتوفي سنة 1224م الذي قال في التصوف: عدمتُ لذيذ العيش بعدك والكرى وشغلتَ قلبي لوعة وتذكّرا وكم ليلةٍ قد بِتُ فيها مُوَلهاً مخافة نفسي أن تَذوبَ تحَسُّرا أقابل مسرى الريح من نحو أرضكم فيحرمني برد النسيمِ إذا سَرى لقد خابَ ما أملتُ مُذ سِرتُ عنكمُ ومَن ركبَ الآمال لم يحمَدِ السُّرى تنكر لي دَهري ولم يدرِ أنني عرفتُ جليَّ الأمرِ لما تَنَكَّرا يقولون لي: صبراً على البُعد والنَّوى ومَذ بِنتَ عني ما رُزقتُ تَصَبُّرا ومما شَجاني أنني بِتُّ مُغرماً بأزهرَ يحكي البدرَ حُسناً ومَنظَّرا يُؤرقُ جفني منه غُنجُ مَحاجرٍ تَعُدُّ منامَ الجفنٍ حِجراً مُحَجَّرا ولولا الذي أخشاهُ من جودِ حُكمِهِ لحدثتك الأمرَ الخفيَّ كما جَرَى وبحتُ بمكنونِ الضميرِ إليكمُ وأظهرتُ وجداً كان في القلب مُضمَرا ولابُدَّ من شكوى فتعذر مُدنفاً حليفَ سِقامٍ أو يموتَ فَيعُذرا ولكنهُ مُذ لاحَ لام عِذارُهُ تجنى فلا يلوي على من تَعذَّرا شراني ببخسٍ وهو في الحُسنِ يوسفُ وما باعني إلا بأرخَصِ ما اشترى فيمُسي إذا ما أظلَم الليلُ ظالمي ويَهجُرُ إن صامَ النهارُ وهَجَّرا ولا ذنبَ إلا أنني بحتُ باسمِهِ ولا بُدَّ للمحزونِ أن يَتَذكَّرا فكن ناصِري إن شئتَ في مَوقفِ الهوى فَحَقَّ لمثلي أن يُعانَ ويُنصَرا ......... وسلامتكم