16 سبتمبر 2025

تسجيل

قوانين الأحوال الشخصية كائنات حية (3-2)

13 أغسطس 2011

عند بلوغ مرحلة الشباب في الستينات من القرن الماضي، وبما أني عشت مخضرما في المجتمع التونسي قبل الاستقلال، وأعرف بالمعايشة لا بالسماع كيف تطور المجتمع التونسي من المرحلة التقليدية الثورية (ضد الاستعمار الفرنسي) إلى مرحلة الاستقلال الإداري والعسكري وبناء الدولة بزعامة بورقيبة وحزبه الدستوري، فاهتديت مع بعض أبناء جيلي من التوانسة إلى أن السياسة البورقيبية في مجال الأسرة وفي مجال التوجه الثقافي الفرنكوفوني تتناقض مع الهوية العربية الإسلامية للشعب والأخطر تتناقض حتى مع أهداف حزبه الذي قاد معركة الاستقلال وقاوم التنصير والتجنيس من أجل استعادة ضمير الشعب وترسيخ قيمه لا سلخ المجتمع عن محيطه الطبيعي والحضاري بحجة اللحاق بركب الحضارة!  وبدأنا نكتب ونحن في صلب الحزب وأحيانا في صحافة الحزب آراء تندد بسيادة اللغة الفرنسية على حساب لغتنا الأم والذوبان في الغرب ودافعنا عن اللغة العربية بما استطعنا من قوة، ولم ننج من الملاحقات والمضايقات وحجز الجوازات، ونحن دستوريون من داخل البيت لأنه لم يكن في بلادنا لا أحزاب معارضة ولا منظمات حقوقية ولا شرق أوسط كبير، بل كنا نتعامل مع الزعيم كأب للشعب، ونعترف له بفضل التحديث والعمل على وحدة الشعب وتقديم المثل في نظافة اليد وإعطاء التربية والتعليم الأولوية في كل موازين الدولة، وهذه هي المكاسب الباقية إلى اليوم من العهد البورقيبي. والحمد لله أن أرشيف الصحف على ذمة من يريد الاطلاع على مقالاتنا وكذلك كتاباتنا في مجلة الفكر رائدة التعريب والتأصيل والكبرياء الثقافية العربية في المغرب العربي. لا أحد ينكر أن الزعيم في سياسته الاجتماعية وسن قانون الأحوال الشخصية انطلق من عواطفه وعقده الذاتية والظلم الذي كان مسلطا على والدته في طفولته وحرمانه المبكر من حنان الأم وذلك باعترافه هو نفسه في المحاضرات التي ألقاها بمعهد الصحافة عام 1972 أمام الطلبة وبأسلوبه الأبوي الحساس الذي كان يبكيه ويبكينا معه. ثم كان أول عمل عائلي قام به هو طلاق زوجته السيدة ماتيلد التي اعتنقت الإسلام وسميت مفيدة وشاركته كفاحه باعترافه هو، ثم الزواج من السيدة وسيلة بن عمار التي كانت أيضا رفيقة دربه لأنه لم يتخل عنها ولا هي تخلت عنه على مدى أربعين عاما.  فالزعيم الذي كان رائدا في إلغاء تعدد الزوجات هو ذاته كان متعدد الزوجات (لمدة أربعين عاما مهما حاول البعض من الشباب التنويري الجديد صبغ هذا الواقع بأسماء وتلبيسات بارعة لا تصمد أمام الحق). والذي يريد التأكد فليراجع تاريخ الصراع بين بورقيبة وغريمه المرحوم صالح بن يوسف ليدرك أن إصرار الزعيم بورقيبة على الجمع بين مفيدة ووسيلة كان دائما على قائمة الخلاف بينه وبين أكثر من زعيم تونسي(و مازال الصديق العزيز والمكافح الوطني حسين التريكي حيا يرزق مد الله في أنفاسه ولديه منجم ذكريات وطنية يمكن أن تفيد الشباب والكهول في هذا الملف بالذات والذي لا ينقص من قدر الزعيم شيئا في نظري). وعندما تولى زين العابدين بن علي السلطة استعمل ملف مجلة الأحوال الشخصية بصفة ديماغوجية وأضافت ليلى زوجته للمجلة فصولا أخرى غريبة وقاسية تغرر بالزوجة وتحرم الزوج من القوامة ورئاسة الأسرة وبالتالي من احترام أولاده وكان ذلك يتم كل 13 (أغسطس) تحت زغاريد السيدة العقربي وتزكية وحماس النساء المتغربات ثم بن علي طلق زوجته الأولى بطريقة بورقيبية أي دون حضورها لأن الرئيسين غفر الله لهما لم يحترما أيا من بنود المجلة التي من المفترض أن يحمياها.