14 سبتمبر 2025
تسجيللا تحتويني المدينة، تبادرني بالعدوان. في مديح كراهيتي هي أشد ما تكون. عبثا أحاول الركض باتجاه حدودها علي أعثر على مدينة أخرى. تمنحني السكن المـأمول والرجاء المنتظر. لكن المدن باتت متشابهة. هي في حالة عناق مع الدماء مع القتل مع سيادة روح الوجع. ليس ثمة مدينة قادرة على بعث الأشواق القديمة. وتدشين رياح للسفن المسافرة إلى الضفاف الأخرى. إلى المسارات التي تستوعب البراءة واليقين والسكينة. والعشق والصلاة النقية والأنفس الصافية. والأرواح المدهشة المتطلعة إلى الألفة والتآلف والحضور وليس الغياب.آه من وجعي. أمضي به في طرقات المدينة حاملا صنوفه المتعددة والمتلونة والمتجذرة والضاربة في أعماقي. هي أضحت خاوية من الابتسامات وطلاوة الحديث. ليس ثمة سوى دماء مسكوبة في البراري وعلى الحدود. أبرياء يذهبون وآخرون باسم الدين يقتلون البشر ويدمرون الحجر. ويوغلون في الفساد. ممتدة رايات الدين التي يرفعونها . محملة بروائح الدم تستقطب أبناء الأمة فتخدعهم الكلمات المكتوبة. والصور المدبلجة عن خلافة لن تأتي على هذا النحو. عبر طريق الدم والتدمير والقتل المجاني لكل ما هو حي. رجلا أم امرأة أو طفلا وليس ثمة ما يمنع من اجترار أزمنة سبي الحرائر. وبيعهن رقيقا في الأسواق أو التزوج منهما عصبا ونكاية وقهرا. أي إسلام هذا الذي يبيح مثل تلك الموبقات؟أي مسار للأمة تمضي فيه؟ وبأي نور تهتدي؟ في تلك العتمة التي أصابت كياناتها فباتت خاضعة لأهواء نفر. رسموا لأنفسهم القدرة على طرح البدائل وسيناريوهات الزمن الآتي. هم صانعوه بحكم ما لديهم من قدسية ومن فهم أحادي لقسمات الدين. الذي أبعدوه عن الواقع فقفز عليه مستعيرا طقوسا كهنوتية لم ترد في تراثنا الجميل والمدهش صكوها لتكون مطية لشباب متحمس. لكنه قاصر عن الفهم ولا يمتلك مهارة الفرز بين ما هو حقيقي وصادق وواقعي. وبين ما هو زائف ومدمر ومهلك ومشوه للدين والذين ينتمون إليه في مشارق الأرض ومغاربها. غدت الأمة موبوءة بهذه الأمراض الفتاكة والقاتلة. ولا أحد يقدم الدواء وإن سارع بتقديمه فهو عدو للدين وموغل في الكفر يستحق الإقصاء عن الحياة. أي أمة يمكنها أن تحقق وجودها وتشرع في بناء ذاتها ومعادلاتها؟ وهي تكابد مثل هذه الوضعية التي دفعتنا إلى آخر القائمة في المنحى الحضاري الراهن. فلم نعد نحن العرب والمسلمين سوى قتلة ومصاصي دماء. وسرعان ما يتم التفتيش عن ملامحنا في أي جريمة تقع في أي بقعة من الدنيا.أي مدينة أخرى تقبلني؟ لا أظن. فالمدائن لها أشراطها. فهي في حاجة لبشر يمتلكون القدرة على الإسهام الحضاري وليسوا عالة على غيرهم. ونحن العرب والمسلمين مازلنا قابعين في درك الاستهلاك وغياب الإبداع والركون إلي السهل والعادي والمألوف والتمسك بالتقليدي. حتى في الدين الذي حثنا صاحب رسالته سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم على تجديده كل مائة عام. من خلال نفر يخصهم الله بهذه المقدرة والمهارة. فتركنا المساحات لهؤلاء النفر المتلبسة مفاهيمهم والتي لا تتمكن من التمييز بين ما هو ديني وما هو دينوي. وما هو مرهون بتغير الأزمنة والأمكنة والتي تفرض معطيات متغيرة في التعامل مع مقتضيات المعاملات التي تنسجم مع هذا الزمان. أو مع ذاك المكان بدون الاقتراب من الثوابت العقيدية التي اقتحمها البعض فأحالوها إلى دائرة الفهم الضيق. فكدروا صفو الدين والعقيدة والمعاملات. وجعلوا الإسلام بمنأى عن واقعنا مجرد طقوس يريدونها لتظهرهم كأئمة بالملابس الفضفاضة . دون أن تكون لهم ملكة فهمه على حقيقته والمتمثلة في بناء المسلم القادرة على أن يلبي مطلب الخالق في إعمار الأرض. هم يربون المسلم على منهجية واحدة هي القتل والدماء وإهلاك الزرع والضرع فضلا عن البشر وليس الإعمار. هل رأيت تنظيما إرهابيا يعمر الأرض أو يزرعها أو يقيم مصنعا أو يصنع دواء؟ لاشيء من هذا القبيل. كل ما نرصده منهم هو سفك الدماء. والسعي إلىي تطبيق ما يصفونه من وجهة بأحكام الشريعة الإسلامية. مستخدمين مفردات وعبارات ومسميات تجاوزها الزمن والانخراط في حضارة. أسهم فيها أوائلنا من المسلمين الذين توجوا الحضارة بأفضل ما لديهم من إسهامات. طالت كل جوانب الصنائع والعلوم والإبداع والفلك والرياضيات. وظلت كتبهم تدرس في جامعات ومدارس أوروبا حتى بضعة مئات من السنين خلت.