16 ديسمبر 2025

تسجيل

مأساة 14 تموز 1958 في ذكراها الـ57 ؟.

13 يوليو 2015

في وضع عراقي معقد، وفي زمن توالت فيه النكبات والكوارث على العراقيين، تمر السنوات والعقود الصعبة وفق قياسات كارثية لتعيد ذكريات وأحداث وأيام سوداء مجللة بالعار كانت رهيبة في إشكالياتها ونتائجها، ومن بينها الذكرى السابعة والخمسين لانقلاب 14 تموز/يوليو الأسود الدموي عام 1958، وهو الانقلاب العسكري الدموي الغادر الذي أطاح بالشرعية الدستورية وأباد في مجزرة رهيبة ومعيبة ومؤلمة العائلة الهاشمية الشريفة التي قادت العراق في مرحلة إعادة الانبثاق والبعث بعد قرون من الاضمحلال والتواري والضياع. لقد كانت مجزرة (قصر الرحاب) فجر ذلك اليوم الأسود بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمرحلة الشؤم في العراق، فالأعمال والتصرفات البربرية التي اتبعت ذلك الغدر الفظيع من سحل للجثث وتقطيع للأوصال ومن ممارسات وحشية مفرطة كانت بمثابة خارطة طريق عراقية دموية وموغلة في البدائية لما سيكون عليه حال العراق بعد خمسة عقود ونيف من تلك المجزرة البشعة المخجلة !، والغريب والمؤلم أيضا أن القوم في العراق لا زالوا يحتفلون بذلك اليوم العار ويمجدون قادته من الذين أبيدوا في معارك التصفية التي حدثت بينهم.يوم 14 تموز الدموي بعد 57 عاما من الجريمة يستحق من المؤرخين العراقيين والمحللين النفسيين إعادة قراءة وتقويم حقيقية لما حدث، خصوصا وأن العراق في أوائل خمسينيات القرن الماضي كان قد بدأ تحت رعاية الدولة العراقية القوية وقتئذ والمرتبطة بتحالفات استراتيجية مع القوى الكونية المؤثرة في انتهاج سياسة تنموية انفجارية تمثلت في إنشاء صندوق إعمار العراق والذي خطط لتنفيذ مشاريع استراتيجية قطف ثمارها الانقلابيون الفاشلون من أهل العسكر، وكانت الشفافية والنزاهة عالية جدا في أقطاب الحكم وقتذاك الذين كانوا من الكفاءات الوطنية المتميزة والعناصر الإدارية القديرة، وبوشر فعلا بتنفيذ برنامج إنمائي طموح تجسد في تحسين الخدمات فكان العراق أول دولة في الشرق الأوسط يدخلها البث التلفزيوني عام 1956، كما كان التعليم والصحة ضمن أفضل المستويات الموجودة في المنطقة وقتذاك وكانت الجامعات العراقية محجا للطلبة العرب. ولكن أجواء السياسة الدولية لا ترحم، فكان العراق للأسف في قلب الحرب الباردة المحتدمة وقتذاك، وكانت الغرف السوداء تخطط من خلال استغلال التناقضات الاجتماعية والأحزاب السياسية وخصوصا القوى الشيوعية لإحداث متغيرات كبرى تهز الحالة المستقرة التي كان يعيشها العراق تحت الكنف الهاشمي خصوصا وأن مرحلة وموجة الانقلابات العسكرية التي ترسخت عبر تجربة عبد الناصر في مصر وحرب الشعارات الزاعقة وحملات الإعلام التحريضي قد ساهمت بشكل فاعل في توجيه الأحداث في العراق صوب خيارات مهلكة، حيث لعبت الأحزاب السياسية العراقية من شيوعية وبعثية وناصرية دورها الخبيث في تهديم المعبد العراقي على رؤوس الجميع، لقد كانت تلك القوى متناقضة فيما بينها وتحمل في خباياها بذور صراعات طائفية لم تكن منظورة ظاهريا ولكنها متجسدة في الخلايا الجينية لتلكم الأحزاب كما هو حال الصراع بين الشيوعيين والقوميين مثلا!، وهو الصراع الدموي الشرس الذي تطور في مرحلة عمت فيها الشيوعية الشارع العراقي حتى أن جماهيرية الشيوعيين كانت تؤهلهم لأن يقودوا السلطة بعد أن أضحت الشعارات الشيوعية هي السائدة في الشارع العراقي وانبثقت الميليشيات الشيوعية وقتذاك مثل (المقاومة الشعبية) و(أنصار السلام) وغيرها ! ورد عليهم البعثيون بتشكيل ميليشيا (الحرس القومي)! وما تبع ذلك من ممارسات بربرية !! ما أشبه الليلة بالبارحة... فالعراق اليوم وبعد عقود من الحكم العسكري والحزبي والطائفي تحول لساحة حرب تحت مسميات وعناوين طائفية هذه المرة وليس ماركسية أو قومية، ولكن النتائج المرعبة واحدة وتتمثل في انهيار الدولة الوطنية.طبعا لايدعي أحد بالمرة أن النظام الملكي الهاشمي في العراق كان نظاما ملائكيا أو منزها عن الأخطاء والخطايا!، ولكنه قطعا كان نظاما نظيفا يحاول شق طريق الإصلاح بوسائل وأدوات شحيحة وتمكن من إنجاز الكثير وترك للتاريخ وأحكامه الصارمة تقويم مسيرته، فلو عاش ذلك النظام زمنا أطول ربما لتغيرت صورة العراق بالكامل.. رحم الله شهداء العهد الملكي من أبناء الأسرة الهاشمية الكريمة ورحم الله الشهيد نوري السعيد والمجد والخلود لكل شهداء الحرية والانعتاق في العراق النازف.