18 سبتمبر 2025
تسجيلمن أقبح الأخلاق الرذيلة السيئة، التي لا يُقبل أن تكون في خلق المؤمن على الإطلاق، ولا أن تنطوي نفسه الزكية النقية عليها، خلق ورذيلة الكذب، أبغض خُلُقٍ إلى نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد روي عن عائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنها، في الصحيح:( ما كان من خُلُقٍ أبغضَ إلى رسول الله، من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكِذْبةَ، فما يزال في نفسه، حتى يعلمَ أنه قد أَحْدثَ فيها توبةً).الكذب الذي هو علامةٌ من علامات النفاق، وخَصلة من خصلاته الذميمة القبيحة، المتعلقة بالسلوك والأفعال، إذ كما يكون النفاق في العقيدة والإيمان، يكون كذلك في الشمائل والأخلاق، وبالنسبة إلى النفاق العقدي، الذي هو معروفٌ من حيث تعريفه بأنه: إظهار الإيمان باللسان، وإبطان غيره بالجَنان، والذي ظهر من المشركين بعد أن قويت شوكة المسلمين، عقب الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وبعد النصر المبين في غزوة البدر، التي سميت بيوم الفرقان.وقد كان المنافقون آنذاك يمثلون خطراً، ويحدثون ضرراً على المسلمين، قال الله تعالى:(لئن لم ينتهِ المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً)، بل إنهم كانوا أشدَّ خطراً من الأعداء أنفسهم؛ فإن العدو يكون ظاهراً معروفاً، تستطيع أن تأخذ حذرك منه، ويمكنك أن تتقيه، أما المنافق فعدوٌ مستترٌ خفيٌ مجهول، يتخفى تحت رداء الإسلام، ويدّعي النصح والوئام، وهو يكيد ويفسد في جنح الظلام، على ما امتدت له الأيام، يُضعف من قوة عضد المسلمين، من حيث لا يشعرون، لذلك قال الله فيهم:(هم العدوُّ فاحذرهم قاتلهم الله أنَّى يؤفكون)، وقال سبحانه عن جزائهم:( إنَّ المنافقين في الدّرك الأسفلِ من النار).وقد زال خطرهم عن الإسلام، مثلما زالت أسباب النفاق ودوافعه، ولم يعد لهم وجودٌ وتأثير كما كان في السابق، وإن وُجِدوا فليسوا ممن نعبأ بهم، ونقيم لهم وزناً، ولكنّ الذي لا يزال باقياً يؤثر ويفسد فيما بين المسلمين، هو النفاق السلوكيّ، الذي نعاني من رذائل ومفاسد أخلاق أصحابه، وعمّ به البلاء، وطمّ كغثاء السيل، إذ إنه ليس محصوراً في فئة محددة بعينها، كما هو الحال في النفاق العقديّ، بل هو متفش في عموم أكثر الناس، نسأل الله السلامة والعافية.وكل من هذين النفاقين، على درجة واحدة من السوء والقبح والشر، وهما متعلقان ببعضهما البعض، يفضي الواحد منهما للآخر، ويدل عليه، ويكون بسببه، فمن ظنّ أنه يخادع الله في كذب إيمانه، أو كان في إيمانه ضعف ووهن، لا شك أنه يخدع الناس في معاملتهم بسوء أخلاقه، أو أن يَظْهر فيها نتيجة ضعف الإيمان، فالأمر كله راجعٌ إلى صحة الإيمان، فمن صح إيمانه، صح خلقه، وبرئ من نفاق السلوك، ومن اعتل إيمانه، كان فيه شيءٌ من النفاق، بقدر ذلك الضعف الذي في إيمانه.وقد بين لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، علامات وخصلات نفاق السلوك، وهي خمس في مجموعها، جاءت في حديثين وردا في صحيح البخاري، الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال:(آية المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وعد أخْلَف، وإذا اؤتُمن خان).والحديث الثاني، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهنّ، كانت فيه خَصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كَذَب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فَجَر).