15 سبتمبر 2025
تسجيللا ريب أن المال من أشد الشهوات التي زين حبها في نفس الإنسان، تعلقاً بشغاف قلبه، وتغلغلاً في أعماق نفسه، وتسلطاً على فكر عقله، ما انفك يسعى بكل قواه لجمعه ومقتناه، والبعض – نسأل الله العافية – لا يبالي أكان ذلك من حل أم حرام، والبعض الآخر، جعل المال غايته في هذه الحياة، فهو محبوبه ومعبوده، الذي ملك عليه جوانحه وجوارحه، ولا يؤدي حق الله فيه، أما من طلب المال من أبواب الرزق المباحة، وحفظه من أدناس وأرجاس الحرام، وأدى حق الله فيه ، فطوبى له، قال عليه الصلاة والسلام (نعم المال الصالح ، للرجل الصالح). وما حق الله الواجب في المال إلا الزكاة، وما أردت وما قصدت في مقالتي هذه، أن أبين حكمها في الإسلام، وما يتعلق بها من شروط وأحكام، فهذا مما يجب أن يكون معلوماً من الدين بالضرورة، عند كل مسلم حق، وأذكر أني قرأت مرةً، شعاراً قصد به حث المسلمين على إخراج الزكاة، هو هذا ( الزكاة فريضة وليست سنة فبادر بإخراجها )، فعجبت له والله!، يا ويحنا! وهل من المسلمين العاقلين، من يعتقد أو يظن أنها سنة، وليست فريضة، فقلت في نفسي كم تعكس شعارات الناس درجة ضعف الإسلام وقوته في زمنهم . من يتأمل معاني الزكاة في اللغة، وهي النماء والطهارة والبركة، يجد أنها نفسها آثارها المترتبة عليها، والحاصلة في المال والنفس معاً، ففي المال تحصل البركة والزيادة ويحصن من التلف والخسارة، لكونه صار مالاً طاهراً عند الله بفضل إخراج الزكاة، أما أثرها في النفس يكون بتطهيرها وتنقيتها من رذائل الشح والأثرة والجشع والطمع، حتى لكأنما هذه الأكدار والأقذاء، تخرج مع المال، وهذا ما أراده النبي بقوله (إنما الصدقة أوساخ الناس)، لتصبح نفساً زكية متحلية بالخلال الحميدة، بحيث تستحق الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة، قال تعالى:(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ... ) الآية. ولفظ الصدقة يطلق على الزكاة، كما يطلق في الأصل على الصدقة النافلة، وما ذاك إلا للإشارة على أنهما دليل وبرهان على صدق إيمان ويقين مخرجهما، جاء في الحديث الشريف (قد افترض عليهم صدقة في أموالكم، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) وانظر وتأمل في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام :(تؤخذ من أغنيائهم ، وترد إلى فقرائهم)، بالضمير المتصل الدال على الجمع ، والفعل ترد ولم يقل مثلاً (تؤخذ من الأغنياء وتعطى إلى الفقراء) ، ليدل على أن المجتمع الإسلامي بأغنيائه وفقرائه شيء واحد، كالجسد الواحد أو كالبنيان المرصوص، لا فرق بينهما في نظرة الإسلام، فهما جميعاً سواءٌ في المجتمع، كركاب السفينة الواحدة، المنتفعين جميعاً بسيرها، والمتضررين جميعاً بغرقها، وأن الزكاة تؤخذ من أغنيائهم ، وترد ليس إليهم، وإنما إلى فقرائهم. الحديث ذو شجون ، لا تزال له بقية ، نكملها غداً بمشيئة الله تعالى، والسلام ختام.