11 سبتمبر 2025
تسجيلقلتها مرارا: علاقتي بالرياضة لا تختلف عن علاقتي بـ"الرياضيات"، ولم أدخل ملعبا رياضيا لمشاهدة مباراة من أي نوع منذ أن بارحت الصف الثاني في المرحلة الثانوية. وقد سردت عليكم في آخر مقال لي هنا حكاية اللورد البريطاني الذي بدد مئات الملايين بسبب إدمانه المخدرات، وكنت في بداية ذلك المقال قد قلت إن الإدمان أشكال وألوان، وإنه ليس بالضرورة متعلقا بمواد محظورة او خطرة على الصحة.. نعم فهناك مدمنو كرة القدم ولكن ليس بمعنى أنهم يمارسونها بانتظام، بل إن مدمن كرة القدم قد يكون جاهلا بفنونها، وكل ما هناك هو أنه لا يفوت مباراة، فيرتاد ملاعب الكرة او يجلس أمام شاشة التلفزيون كأبي الهول وعيناه مسمرتان على تلك البالونة المستديرة، او صور اللاعبين المعلقة على جدران غرفته، ويصل الإدمان أقصى تجلياته عندما يكون الشخص مشجعا لناد رياضي معين. قبل سنوات قليلة قامت طائرة بهبوط اضطراري في مطار صغير الى الشمال من ليما عاصمة جمهورية بيرو، وكان قائد الطائرة قد أبلغ سلطات مطار بيورا أن وقود الطائرة نفد وأنه لا يستطيع مواصلة الرحلة فهرع رجال الإطفاء والإسعاف الى المطار الصغير، ولكن الطائرة لامست الأرض بسلام وخلال دقائق كان 300 شخص قد خرجوا من جوفها وغادروا أرض المطار دون ان يبدو عليهم أي أثر للجزع الذي لابد وأن يصيب كل من يكون على طائرة تقوم بهبوط اضطراري.. حقيقة الأمر هي ان الطائرة كانت تحمل مواطنين من جمهورية غامبيا في غرب أفريقيا وكان فريق بلادهم للشباب يخوض مباراته الأولى في العاصمة البيروفية ليما، ولما كان السفر الى بيرو لتشجيع الفريق يتطلب الحصول على تأشيرات والكثير من وجع الدماغ فقد استأجروا طائرة، واجتازوا المحيط الأطلسي ونصف قارة أمريكا الجنوبية ثم طلبوا من قائدها إقناع سلطات الطيران في بيرو بحكاية نفاد الوقود والنزول في مطار صغير ليس فيه إجراءات جوازات وهجرة، وهكذا تمكنوا من الوصول الى الملعب وتشجيع فريقهم وهو يخوض مباراة ودية ضد فريق محلي في الدرجة الثانية من الدوري الممتاز. وكان ضمن الذين وصلوا الى بيرو وشاركوا في إخراج الفيلم الهندي عن الهبوط الاضطراري مسؤول رفيع في حكومة غامبيا أبلغ المسؤولين في المطار أن من استأجر الطائرة هو رئيس غامبيا شخصيا. ع. ه. شاب خليجي لا تمل مجالسته، وحكى لي إنه كان يعمل في مستشفى كبير وذات مساء كان الفريق الذي يشجعه يخوض مباراة حاسمة ولكن ولسوء حظه كانت نوبة عمله في نفس وقت المباراة، فأقنع زميلا له بان يحل محله في العمل، وقبل ان يصل الزميل هذا الى موقع العمل كان ع.ه. قد غادر المستشفى، وشاءت الأقدار ألا يتمكن ذلك الزميل من الحضور الى المستشفى لـ "يغطي" غيابه، وفي اليوم التالي وقف ع.ه. أمام مدير الإدارة الذي سأله عن سر غيابه فقال: جدي كان تعبان ودخلوه العناية الفائقة في مستشفى خارج العاصمة، وكنت منزعجا وغادرت المستشفى.. هنا ضغط المدير على ريموت كونترول جهاز الفيديو، ورأى ع.ه. نفسه على شاشة التلفزيون وهو يرقص في الاستاد مرتديا زي النادي الذي كان يشجعه في اليوم الفائت. ولكن هل يتوب المدمن بسهولة؟ صاحبنا ع. ه. كان عقابه عن ترك العمل لمشاهدة مباراة كرة قدم خصم راتب أسبوع كامل، وكانت لي صلات طيبة مع عدد من كبار إداريي المستشفى الذي يعمل فيه وطلب مني أن أكون "واسطة" ليعيدوه الى وظيفته، فسألته عن كيفية فقدانه لوظيفته، فقال: الله يقطع الانترنت وسنين الانترنت، فقد كنت في مناوبة ليلية وأحسست بالملل فنزلت واختبأت تحت الكاونتر وصرت أشاهد لقطات من مباريات دوري الكرة الإسباني على يوتيوب، وضبطوني وصار ما صار، فقلت له إنه يحتاج إلى واسطة أقوى مني، وأوصيته باللجوء الى كرستيان رونالدو.