16 سبتمبر 2025
تسجيلبين الصيام والجهاد علاقة وثيقة، وصلة عميقة، فالصيام مجاهدة للنفس والشهوات والشيطان، والجهاد مغالبة لأعداء الرحمن.عن عبدالله بن مسعود قال: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا». رواه أحمد بإسناد حسن. هكذا دائما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما أحوجنا لهذا الخُلُق، أن نعمل فقط حُبًّا لله ورغبة في رضاه. وفي السابع عشر من رمضان للسنة الثانية للهجرة خرج المسلمون لملاقاة الكفار في بدر، وانظر لأعدادهم، فالكفار يبلغون 1300 مقاتل والمسلمون يبلغون 319 مقاتلا تقريبا، ذلك الفارق الكبير! ومع ذلك حقق المسلمون انتصارًا عظيمًا، وذلك لأمر بسيط وهو إيمانهم بتحقيق هدفهم وإرضاء الله، فمع صيامهم تجلَّت العلاقة بين مجاهدة النفس وتقواها في الصوم، وبين حب الله والطمع فيما عنده بالجهاد في سبيله سبحانه وتعالى. وهذا ما نحتاج إليه بشدة في حياتنا الدنيا، أن نقدِّم حب الله ومرضاته على حظ النفس واتباع الهوى. وفي جانب آخر، عندما بدأ القتال العام، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه على القتال فقال: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ». قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا». قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ، إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ: ثُمَّ رَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. أرأيتم ذلك السعي والحرص على الآخرة؟! أين نحن من هؤلاء الصحابة وحبهم للآخرة وعدم تعلقهم بالدنيا؟! وليس الأمر مقصورًا على كبار الصحابة فقط، بل إن الصغار كانوا أكثر سعيًا لمرضاة الله، فها هو عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- يقصُّ لنا: بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلُعٍ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمَّاهُ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتْ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سِوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَدُورُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُمَا: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ. ثمَّ احْتَزَّ رأسَهُ ابنُ مَسعُودٍ وجاءَ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكَبَّرَ وحَمِدَ اللَّهَ وقَالَ: هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.فكل صغير وكبير يسعى ويعمل بجد واجتهاد لبلوغ مرضاة الله، فهو نجاح يستحق السعي.هذا هو تاريخ الإسلام، مليء بالوقائع الخالدة والشاهدة على أصحابها العظماء.