12 سبتمبر 2025

تسجيل

نظرة على مؤتمر باريس الأخير حول العراق وسوريا

13 يونيو 2015

هذا هو المؤتمر الثاني الذي يعقد في العاصمة الفرنسية باريس (للتشاور حول قضايا الإرهاب في العراق وسوريا) بعد المؤتمر الأول في سبتمبر من العام الفائت، حضر المؤتمر ممثلو أربع وعشرين دولة من بينهم عدد من الدول العربية وتركيا والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرهم وشارك فيه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، انتهى المؤتمر إلى بيان ختامي ومؤتمر صحفي ركز فيه المجتمعون على دعم جهود الحكومة العراقية في الحملة على الإرهاب كما وردت إشارات حول أهمية المصالحة وضرورة الاستعجال بالإصلاح السياسي وتفعيل مشاركة العرب السنة بعد أن اقتنع الجميع الآن كما يبدو إلى أن (تهميش العرب السنة حقيقة وليست مبالغة أو تجنيا على حكومة العبادي).من جانبه ضمن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مؤتمره الصحفي بضع ملاحظات هامة من بينها (إن حيدر العبادي تعهد بمصالحة بين جميع مكونات الشعب العراقي) في إشارة لمطالب العرب السنة بضمان معاملتهم دون تمييز أو تحيُز ووضع حد لحملة التطهير الطائفي التي انطلقت منذ حكومة إبراهيم الجعفري عام 2005 مرورا بحكومة المخلوع المالكي ومازالت قائمة إلى اليوم.ومع أن العبادي حاول جاهدا – دون طائل - أن يقنع العالم بإنجازاته الرائعة!! في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني وحتى المصالحة الوطنية حيث لم يؤيده فيها أحد من المشاركين أو يثني على أدائه، فإنه جاء إلى باريس يتظلم ويشتكي من قلة الدعم العسكري أملاً في تغيير الموقف الغربي (نحن لا نريد منكم السلاح.. فقط سهلوا حصولنا عليه) لكنه عاد خائبا إلا من 2000 صاروخ أمريكي مضاد للدبابات!! ذلك أن التركيز انصب على تذكير العبادي ووعوده (بالإصلاح ومعالجة الخلل الطائفي). بل ذهب الوزير الفرنسي إلى أبعد من ذلك بالقول (لا يوجد حل عسكري دون التوصل إلى حل سياسي)، وهو المنطق الذي لا يؤمن به العبادي ولا شركاؤه في التحالف الشيعي، إذ هم لا يرغبون في حل ناجع لأزمة العنف والتطرف في العراق.ربما باستثناء الرسالة التي وجهها المؤتمر لرئيس الوزراء حيدر العبادي والتي وصفتها الخارجية الفرنسية على لسان الناطق الرسمي بأنها (رسالة صارمة.. إلى الحكومة العراقية بضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل لتحقيق مصالحة وطنية ويناء ديمقراطية تستوعب المكونات الوطنية العراقية جميعها) باستثناء ذلك فإن المؤتمر لم يخرج عن الإطار الاستعراضي الخطابي التقليدي. مصادر عديدة أشارت إلى أن المجتمع الدولي رغم قناعته بالتجربة أن العبادي لا يختلف عن سلفه في التسويف والتعطيل، لا يوفي بوعد ولا يلتزم بعهد، رغم ذلك منح العبادي ثلاثة أشهر لتنفيذ وعوده كشرط لاستمرار الدعم!! إلا أن جميع التوقعات تشير إلى استحالة ذلك والسبب ربما لا يقتصر على موقف العبادي شخصيا بل إلى الجهة التي باتت بفضل دعم إيران وتجاهل المجتمع الدولي هي الآمرة والناهية وليس رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومن هي؟ غير الدولة العميقة بقيادة المخلوع نوري المالكي معززا بخمسة وأربعين فصيلا من المليشيات الطائفية الموالية بقيادة قاسم سليماني الذي يهيمن فعلا على إدارة الملف الأمني بعد أن تم تجريد القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي من صلاحياته الدستورية.المشاركون يعلمون جيدا ضعف حكومة حيدر العبادي مقابل سطوة وإرهاب المليشيات ناهيك عن نفوذ إيران لهذا لا أدري في ضوء ذلك كيف يطلبون من مسؤول لا يملك القرار في تنفيذ ما لا يقدر عليه!!، وفي ضوئه لا أجد من قيمة لدعوة التحالف الدولي (على العراقيين أن يتحملوا مسؤولياتهم ويكونوا خط الدفاع الأول عن بلدهم)، السؤال كيف؟ وإيران تعبث بأمنهم ومقدراتهم وتتدخل بشؤونهم وهم يعلمون علم اليقين أن ما بقي من عراق لا يؤهله للدفاع عن نفسه، بينما هم غير مستعدين للقيام بالمهمة نيابة عن العراقيين، ولهذا العراق والغرب أمام حالة استعصاء فريدة ربما عبر عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في لقاء الثمانية الكبار في بافاريا مؤخرا بقوله: (ليست لدينا إستراتيجية متكاملة لمساعدة الحكومة العراقية على استعادة المدن من تنظيم الدولة)!! قصور المؤتمر يتجاوز ذلك إلى ما هو أهم، لقد تحدث المؤتمر عن تهميش العرب السنة وطالب بإنصافهم لكنه – أي المؤتمر - تغافل بالوقت نفسه عن دعوة ممثل عنهم ليخاطب المؤتمر ويشرح لهم معاناتهم! واكتفى ربما – أي المؤتمر - بالحوار مع الحكومة المتهمة باستمرار هذه المعاناة ممثلة بحيدر العبادي والاستماع إلى وجهات نظره بينما هو لم يشارك في المؤتمر نيابة أو متحدثا عنهم. وهكذا كرر المؤتمر خطيئة حيدر العبادي وقبله المخلوع نوري المالكي في تهميش العرب السنة. معايير الغرب المزدوجة انعكست أيضاً على المؤتمر بحصر الإرهاب بالتطرف السني وأقصد داعش بينما تغافل عن إرهاب التطرف الشيعي وأقصد المليشيات الطائفية رغم أنها من حيث السلوك أسوأ، بعد أن فاقت وحشيتها وبربريتها كل تصور إذ فوق ساديتها في سحل وحرق وتعليق جثث الموتى وتقطيعها كما يفعل الجزار في الذبيحة فإنها تسلب وتنهب على نطاق واسع بل وحتى تنبش القبور.. موقف الغرب المثير للشبهة يمكن اختصاره بأنه من جهة يطالب العبادي بالإصلاح السياسي والمصالحة لكنه يمارس براجماتية في نظرته وتعامله مع المليشيات وطالما هذه المليشيات لا تشكل خطرا على الغرب فلا بأس أن تمارس كامل حريتها في إرهاب العرب السنة. في ظل هكذا وضع لا يمكن أن يكون الغرب شريكا نزيها للعرب السنة في محاربة التطرف، هذا هو الانطباع الذي لا يختلف عليه أحد وسيبقى هكذا حتى يتخلى الغرب عن معاييره المزدوجة.مؤتمرات من هذا القبيل، تعاني من كل هذه الثغرات، تلامس الحقائق على استحياء، رغم أهميتها لا يمكن التعويل عليها في تقديم وصفة لعلاج أزمة العراق، وستثبت الأيام صدق توقعاتنا، وإن غدا لناظره قريب.