03 نوفمبر 2025
تسجيلالإنسان ذلك الكائن العنيد الذي تميز من بين جميع سكان الكرة الأرضية بأنه الوحيد القادرعلى تطويع الطبيعة وترويضها لمصلحته، الكائن البارع الذي اخترع اللغة ونظّم الهياكل الاجتماعية المعقدة، وأقام شبكة من التفاعلات الاجتماعية أسفرت عن العديد من المعايير الأخلاقية والطقوس الدينية، وأبدع في إعطاء كل ما حوله قيمة جمالية وفنية وأدبية وثقافية، الكائن العنيد صانع الحضارات ومشيّد الصروح العظيمة، واضع العلوم والتطبيقات التي غيرت العالم، الكائن العنيد الذي اخترق الفضاء وسير المركبات خارج حدود الأرض، وهبط الى أعماق المحيطات واستكشف أسرارها واستغل كنوزها الدفينة. الإنسان العنيد هو نفسه الذي تحدى الصحارى المتجمدة وشيد من الثلج بيوتاً تعد معجزة معمارية، حيث تمنح بيوت (Igloo) ذات البناء المعقد الدفء لساكنيها، وتحتفظ بدرجة حرارة تصل الى عشرين درجة مئوية بينما في خارج البيت الثلجي تتجاوز درجة الحرارة الخمسين درجة تحت الصفر. إنسان الأنويت أو الأسكيمو الذي تكيف مع البرد القارس لا يختلف في شيء عن البدوي الذي يعيش في الصحراء المجدبة القاسية، حيث على البدوي أن يعمق معرفته ببيئة الصحراء حتى يعزز فرصته في البقاء ويتغلب على تحديات المعيشة الصحراوية، التي لا تقتصر على محدودية مواردها ولا على مخاطر الغزو والحروب، وإنما كان على البدوي ان يحمي نفسه من برودة الشتاء وحر الصيف، والوديان والسيول الجارفة في موسم الأمطار، ومن لدغات الأفاعي والعقارب والحشرات السامة، ومن الذئاب والضواري، ولكثرة هذه المخاطر نجد البدوي حذراً في نومه حتى انه كما يقولون ينام نومة ذيب أي أنه ينام بعين واحدة بينما الأخرى متيقظة تترقب أي خطر مفاجئ قادم. لكن الإنسان هذا الكائن البارع برع كما لم يبرع أي مخلوق آخر غيره في استباحة دم أبناء جنسه، فبرع في اختراع الأسلحة وأدوات القتل ونجح في تبرير كل الجرائم التي يرتكبها بأسباب دينية وعقائدية وأخلاقية.