15 سبتمبر 2025
تسجيلفي السابع والعشرين من يناير 2014 استمع السودانيون، إلى رئيسهم، المشير عمر حسن أحمد البشير، وهو يعلن إطلاق الحريات الصحفية، والسياسية، وممارسة الأحزاب لنشاطها بحرية دون أن تقوم الأجهزة الأمنية والشرطية بقمعها وتفريق تجمعها قسرا.. كثير من المراقبين اعتبروا الخطاب الرئاسي فصلا آخر من فصول التكتيكات السياسية المؤقتة.. لكن الصحفيين اهتبلوا الفرصة، وفتحوا مظاريفهم السرية وأخرجوا منها الكثير المثير الخطر، الذي كان ممنوعا عليهم الحديث فيه وعنه.. ولم تمض إلا أيام قليلة حتى عامت البلد في بحر متلاطم من قصص فساد مرعبة أخرجها الصحفيون الأشقياء من بطن القمقم.. رموز حاكمة كبيرة ومهابة مرغت في وحل الفساد وطينه.. أخطر حادثات الفساد اكتشفت في مكتب والى ولاية الخرطوم الذي هو بالفعل والقانون والدستور حاكم العاصمة السودانية بمدنها الثلاث الكبرى وما يلحق بها، وما يتفرع عنها، من مدن وأرياف وأصقاع دانية أو قاصية.. ولم يسلم الجهاز العدلي وكبار قادته: فقد مسّ فساد شركة الأقطان الحكومية بعض كبار القادة بصورة أو بأخرى.. هجمة الصحافة على أوكار الفساد المخفي كانت قاسية وشرسة حتى تصايح المصابون فيها من جراحهم الصادحة وطلبوا النجدة من ذات الحكومة التي أمرت بهذه الهجمة ابتداء لما كثرت إشارات الغمز واللمز بالفساد ضد بعض كبار رجالاتها.. ولم تتأخر الحكومة في الاستجابة إلى طلب النجدة، النيابة العامة منعت الصحف والصحفيين من تناول قضايا الفساد والمفسدين!.. ومنعت النيابة العامة بالتزامن الخوض في موضوع حرية الإعلام، والخوض في قضية المرأة السودانية التي اتهمت بالردة عن الإسلام.. بالمختصر المفيد منع الصحفيون السودانيون من أن يقولوا (بغم) – بالتعبير الشعبي الشائع !بعض الصحفيين أصروا على الاستمرار في تعرية الفساد والمفسدين، واعتبروا قرار منع النشر عن الفساد بمثابة حماية مكشوفة للفساد والمفسدين.. وكانت نتيجة هذا العناد الصحفي أن استدعت النيابة العامة عشرة صحفيين إلى مكاتب نيابة الجرائم الموجهة ضد أمن دولة السودان للتحقيق معهم! بينما طالت أحاديث السخرية الحكومة واستغربت القول إن دولة السودان (الحدادي المدادي) على قول المثل الشعبي- يهددها صحفي لا يحمل في يده غير قلم حبر ناشف.. ولا يحمل راجمة صواريخ.. لم تكتف النيابة العامة باستدعاء عشرة صحفيين دفعة واحدة للتحقيق معهم بسبب كتابتهم عن الفساد في بعض أجهزة الدولة، إنما أضافت إليهم التحقيق مع رئيس تحرير صحيفة (الأيام) مع أربعة من محرريه.. والتحقيق مع رئيس تحرير صحيفة (الجريدة) مع مجموعة من محرري صحيفته.. وكانت التهمة الموجهة إلى الصحيفتين أنهما تجاوزتا الخطوط الحمراء بنشرهما تقارير عن المجاعة في غرب السودان.. كما علقت النيابة العامة صدور صحيفة (الصيحة) التي ظلت تكشف الفساد والمفسدين في الجهاز الحكومي في تحقيقات جريئة مست ألسنة اللهب فيها بعض الكبار.. كما باشرت النيابة العامة التحقيق مع رئيس تحرير صحيفة (التغيير) التي تنحاز إلى وتناصر الجهات الداعية إلى تغيير الأوضاع كما يشير اسمها. من كل ما تقدم يتضح أن ليل الصحفيين والصحافة في السودان ما زال طويلا.