18 سبتمبر 2025

تسجيل

ميخائيل نعيمة والذين هاجروا بعده

13 يونيو 2013

ميخائيل نعيمة كاتب عربي- لبناني كبير، ولد يوم17 أكتوبر سنة 1889 ورحل عن عالمنا يوم 22 فبراير سنة1988 أي أنه عاش تسعا وتسعين سنة، وعلى امتداد مسيرة حياته تنقل ما بين بيئات مختلفة، وتغلغل في أعماق ثقافات متنوعة، وهذا ما يدفعني للقول إن عطاءه الأدبي الرائع ثمرة مدهشة من ثمرات تزاوج البيئات والثقافات، حيث انتقل – وهو طفل صغير- من بسكنتا اللبنانية إلى الناصرة الفلسطينية، ثم عاش في أجواء البيئة الروسية في زمن روسيا القيصرية، وبعد خمس سنوات انتقل منها إلى بيئة أخرى، هي البيئة الأمريكية، التي عاش في أجوائها إحدى وعشرين سنة، وإلى جانب لغتنا العربية التي يعد أحد أدبائها العظماء، فإن له نتاجا أدبيا وشعريا باللغتين الروسية والإنجليزية. لميخائيل نعيمة كتاب مشوق ورائع، سجل فيه مسيرته مع الحياة عبر البيئات المختلفة والثقافات المتنوعة التي أسهمت في تشكيل وجدانه الإنساني، كما انعكست إشعاعاتها على عطائه الأدبي، لكن ما يعنيني الآن يتمثل في كونه واحدا من المهاجرين العرب الأوائل الذين انطلقوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان معظم هؤلاء من أهل الشام- سوريا ولبنان، ثم تتابعت قوافل المهاجرين العرب من أوطانهم العربية إلى أمريكا وإلى سواها من دول العالم، وأمامي الآن- على سبيل المثال- كتاب جديد، بعنوان: الجيل الثاني من المصريين في أوروبا، وهو من تأليف فاطمة حامد الحصي، وقد صدر عن مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة. ما أود الإشارة إليه هنا يتمثل في مدى انصهار المهاجرين العرب في بوتقة المجتمعات التي انطلقوا للعيش فيها، وكيف تمكنوا من التغلب على الصعوبات والمآزق التي واجهتهم إلى أن استطاعوا الاندماج مع طبيعة تلك المجتمعات التي حملوا فيما بعد جنسيات دولها المختلفة؟ وبالطبع فإن هؤلاء المهاجرين العرب لا يشكلون عجينة متجانسة، تتيح لنا أن نطلق أحكاما عامة عليهم، فمنهم من خرجوا هربا من اضطهاد ديني أو عرقي أو مذهبي، ومنهم من خرجوا لمجرد البحث عن حياة أفضل وأجمل، وكل هذه الأسئلة والقضايا وسواها تعيدني إلى الكتاب المشوق والرائع لميخائيل نعيمة، وهو بعنوان: سبعون، وفيه ملاحظات طريفة عن محاولات أقاربه وأصدقائه المهاجرين اللبنانيين لأن ينسلخوا من جلودهم، لكي يشعروا أنهم أمريكيون، مثل سواهم من الأمريكيين الآخرين! يقول ميخائيل نعيمة: في عقيدة مهاجرينا إلى أمريكا أن تبدل الأماكن والأزمان يقضي بتبدل الأسماء كذلك، وهكذا غيّر أخي أديب اسمه فأصبح دجو، وغيّر أخي هيكل اسمه فأصبح هنري، وكم من مهاجر ترجم حتى اسمه وكنيته ترجمة حرفية، فبات منصور حداد- مثلا- فيكتور سميث، ولولو أسمر أصبح بيرل براون! هذا الذي قاله ميخائيل نعيمة، يذكرني بالمقولة الخالدة التي قالها العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في ثنايا كتابه العظيم- كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، حيث يقول: المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه. إذا كان ميخائيل نعيمة قد أشار إلى ما فعله أقاربه وأصدقاؤه من تغيير لأسمائهم، بل من ترجمة حرفية لها، وهم من المهاجرين العرب الرواد والسباقين إلى الهجرة من أوطانهم العربية، فما بالنا بما فعله أبناء هؤلاء وأحفادهم، لكي يندمجوا ويذوبوا تماما في المجتمعات التي هاجروا إليها؟ كلنا بالطبع نعرف إيليا أبو ماضي، صاحب رائعة كُنْ جميلا تَرَ الوجودَ جميلا، وصاحب الطلاسم التي غنى محمد عبد الوهاب ومن بعده عبد الحليم حافظ مقطوعات منها، واشتهرت بعنوان لست أدري، لكن كثيرين منا لا يدرون أن أبناء وأحفاد هذا الشاعر العربي المهجري الكبير لا يستطيعون أن ينطقوا كلمة عربية واحدة، وهكذا يظل المغلوب مولعا بالاقتداء بالغالب، وتلك سُنّة الحياة في كل زمان ومكان!