12 سبتمبر 2025

تسجيل

أثر التدخل الخارجي على الانتخابات التركية

13 مايو 2023

كما في الاستحقاقات السابقة، يتجاوز الاهتمام بالانتخابات المقبلة في تركيا حدودها الجغرافية، حيث تتركز أنظار الكثيرين في المنطقة والعالم على مسارها ونتائجها المرتقبة، ويزداد منسوب الاهتمام بسبب حالة التنافس الشديد والفرص المتقاربة بين المتنافسين لأول مرة بهذه الدرجة. وبينما يبدو الاهتمام منطقيا ومبررا، فإن بعض النقاش يدور حول احتمالية التدخل الخارجي للتأثير على نتائج الانتخابات، ولا سيما مع تصريح وزير الخارجية التركي بهذا الصدد. فالوزير أعاد التذكير بتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن حين كان ما زال مرشحاً رئاسياً، بأن على بلاده دعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان، وحين سئل عن ذلك قال إنه قصد إسقاطه بالانتخابات. ومن هنا، رأى الوزير أن تحالف المعارضة وتوافقها على مرشح توافقي (الأمر الذي لم تستطعه في الانتخابات السابقة)، وتنسيقها بهذه الدرجة فيما بينها، مجرد انعكاس لكلام بايدن أو تطبيق عملي له. وفي مقابلة حوارية لاحقة مع قناة «خبر تورك»، قال وزير الداخلية صويلو إن حزبه سيحترم قرار الناخب، لكن من واجبه توضيح الأمر المتعلق بالتدخلات الخارجية المحتملة لهذا الناخب، أي أنه أعاد التأكيد على سردية التدخل الخارجي. في نفس الإطار، يمكن وضع تصريحات الرئيس التركي الذي انتقد كلام مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليجدار أوغلو عن تأمينه استثمارات خارجية بـ 300 مليار دولار أمريكي ستأتي تركيا في حال فوزه، واضعاً الأمر في إطار التدخلات الخارجية لصالح طرف على آخر. تضاف هذه التصريحات لبعض الأحاديث التي سادت مؤخراً في الأوساط المؤيدة للرئيس التركي عن دور غربي لدعم المعارضة، وخصوصاً رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو حين كان مرشحاً محتملاً للانتخابات الرئاسية، مثل لقاء الأخير مع سفراء بعض الدول الغربية. كما سرت شائعات لم تتأكد بأن أطرافاً غربية كان لها دور في توافق الطاولة السداسية بعد خروج الحزب الجيد منها إثر اختيار كليجدار أوغلو مرشحاً توافقياً للرئاسة. وقبل النظر في هذا المستويات، ينبغي الإشارة لبعض المعطيات المهمة بين يدي التقييم: أولها أن السياسة الخارجية أثرها محدود عادة في الانتخابات التركية، وهي في الانتخابات المقبلة أقل حضوراً وأثراً بسبب ثقل الملفات الداخلية، مثل الاقتصاد والزلزال، واللاجئين والتحالفات وغيرها. والثاني أن حدة الاستقطاب بين الحكومة والمعارضة بخصوص السياسة الخارجية تراجعت في السنتين الأخيرتين بعد تقارب أنقرة مع عدد من الأطراف الإقليمية. والثالث أن التوتر مع الولايات المتحدة تحديداً تراجع نسبياً من خلال بعض الخطوات التركية وآخرها الموافقة على عضوية فنلندا في الناتو. والأخير أن بعض التدخلات الخارجية، وربما معظمها، يؤدي في العادة لنتائج عكسية أي الالتفاف أكثر حول أردوغان. وعليه، تبدو الديناميات الداخلية هي الأهم والأكثر حضوراً وتأثيراً في الانتخابات التركية المقبلة. أما العامل الخارجي فهو حاضر على صعيد الدوافع والرغبة، وكذلك على مستوى السعي وبذل الجهد مثل جهود التنسيق بين أطراف المعارضة (في حال تأكدت) وغير ذلك. أما التأثير ولا سيما ما يمكنه أن يغير نتائج الانتخابات، فليس ثمة مؤشرات واضحة بهذا الاتجاه، بل لعل هناك مؤشرات في الاتجاه المعاكس، فقد كان التقدير السائد أن بعض القوى الخارجية تفضّل خوض رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الانتخابات في مواجهة أردوغان كمرشح توافقي للمعارضة، لكن كليجدار أوغلو فرض نفسه على حزبه والطاولة السداسية بطريقة كادت أن تؤدي لانفضاض الأخيرة، وهذا عامل داخل بامتياز. لكل ما سبق، فإن تأثير القوى الخارجية على مسار الانتخابات التركية المقبلة ونتائجها محدود. صحيح أن هوامش التأثير في هذه الانتخابات أكبر نسبياً من السابق بسبب الأوضاع الاقتصادية وتوحد المعارضة وحدة التنافس، إلا أنها رغم ذلك تبقى أقل بكثير وربما هامشية مقارنة مع الديناميات الداخلية الحاسمة في مسار الانتخابات، كما دائماً.