11 سبتمبر 2025
تسجيلجاءت جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخليجية، التي شملت السعودية وقطر والإمارات، في بدايات ولايته الرئاسية الجديدة لتؤكد أهمية العلاقات مع دول الخليج العربية بالنسبة لتركيا في الفترة المقبلة. ويرتبط ذلك من جهة بمسار السياسة الخارجية التركية في الفترة القادمة، لا سيما في ما يتعلق بقضايا المنطقة والعلاقة مع القوى الإقليمية، وفي مقدمتها الدول العربية والخليجية، ومن جهة أخرى بأولوية الملف الاقتصادي في مرحلة ما بعد الانتخابات والاهتمام بالاستثمارات الخليجية على وجه التحديد في هذا الإطار. استبق أردوغان هذه الجولة بإيفاد نائبه جودت يلماظ ووزير المالية محمد شيمشك للخليج لإعداد الأرضية المناسبة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية في المقام الأول مع دوله. الرغبة التركية في تطوير العلاقات، لا سيما التجارية والاقتصادية والاستثمارية، مع دول الخليج العربية ليست من طرف واحد؛ بل قابلتها الأخيرة برغبة مماثلة. ويتبدى ذلك بوضوح في حفاوة الاستقبال للرئيس التركي والوفد المرافق له في الدول الثلاث، وتؤكده الاتفاقات الموقعة مع هذه الدول؛ عددًا ومجالاتٍ ومضمونًا. وإذا كان من المتوقع والبديهي أن تعمّق أنقرة علاقاتها مع الدوحة وتوقيع اتفاقات في مجالات مختلفة، نظرًا للعلاقات المتميزة بين البلدين في العقد الأخير على وجه التحديد ورؤية قيادة البلدين باتجاه ضرورة رفع مستواها بشكل مستمر؛ فإن الاتفاقات الموقعة مع كل من الرياض وأبو ظبي لفتت الأنظار. وقعت تركيا مع السعودية عدة اتفاقات في مجالات الاستثمار المباشر والصناعات الدفاعية والطاقة والدفاع والاتصالات، وعُقد على هامش الزيارة منتدى الأعمال التركي- السعودي، وكان العنوان الأبرز في الزيارة توقيع عقدين مع شركة الصناعات الدفاعية التركية (بايكار) لشراء طائرات مسيّرة (من دون طيار)، وُصفت بأنها الصفقة الدفاعية الأبرز في تركيا. الخلاصة، أكدت زيارة الرئيس التركي الأخيرة لكل من السعودية وقطر والإمارات أن توجهات السياسة الخارجية المستجدة لأنقرة ليست مرتبطة بشكلٍ حصري بالانتخابات السابقة، بل إنها جزء من رؤية صادرة عن قناعة لدى صانع القرار بضرورة انتهاج سياسة خارجية مختلفة عن تلك المطبقة في العقد الفائت. كما تثبت الزيارة مجددًا مدى أولوية الاقتصاد في هذه الرؤية، لا سيما من جهة جذب الاستثمارات الخارجية التي تشكل دول الخليج العربية مصدرا أساسيا لها. في العموم، إن مخرجات هذه الزيارة - جنبًا إلى جنب مع عدد من التطورات الإقليمية والدولية - تحيل إلى إرهاصات إنشاء نظام إقليمي جديد في المنطقة مختلف عن فلسفة الاصطفافات التي حكمت المنطقة خلال العقد الماضي، ويبدو أن الاقتصاد - على وجه التحديد - هو رافعة هذا المسار ودافعه الأهم.