12 سبتمبر 2025

تسجيل

العيد بين الأندلس وبيت المقدس

13 مايو 2021

في هذه الايام المباركة يرتقي اخواننا في فلسطين ذروة سنام الإسلام ليصلوا إلى اعلى درجات الفضل والعز والتمكين فلا يضرهم من خذلهم ولا من تآمر عليهم. وهذا العيد المبارك يذكرني بأول عيد للمسلمين في الأندلس كان ذلك في معركة وادي برباط او (وادي لكة) ضد قبائل القوط الغربيين بقيادة ملكهم رودريغو او (لذريق) او (رذريق) او (الأدرينوق) كما جاء في بعض المصادر العربية. بدأ الاشتباك الدامي بين الجيشين في 28 رمضان من سنة 92 من الهجرة وكان جيش المسلمين تعداده ما يقارب 12000 من المشاة عديمي الخيول، ضد جيش كبير من القوط الغربيين الذين تحدروا من العاصمة طليطلة بكتائب مثل الجبال، بلغ تعدادهم زهاء المائة ألف مقاتل، مجهزين بكامل التجهيز العسكري بما في ذلك سلاح الفرسان الذي يعادل سلاح الدبابات في وقتنا الحاضر. ولو تفكرت عزيزي القارئ في الجانب العسكري المادي البحت لوجدت انه من المستحيل لهذا الجيش المسلم الصغير ان ينجو من براثن الموت اصلا، ناهيك عن ان ينتصر، لذلك كان لذريق قد جاء في كامل أبهته يحمل سرير عرشه المحلى بالذهب على بغلين لابسا تاجه المرصع بالجواهر، وحاملا معه الكثير من الحبال والتجار اليهود، يريد ان يأسر المسلمين فيربطهم بالحبال ويبيعهم عبيدا لليهود. كيف لا يفكر لذريق بهذا المنطق ونحن نتكلم عما يقارب الثمانية رجال من الجند القوط المدربين تدريبا عسكريا عاليا والمدججين بالسلاح الكامل مقابل رجل واحد من المسلمين لا يكاد يحمل معه الا سيفه؟ من كان يصدق ان ينتصر المسلمون؟ لا أحد بالطبع، ولكن الله ألهم عبده طارق بن زياد رحمه الله، فقاده وبحنكة القائد العسكري الفذ، وجعله يسبق لذريق ليختار هو بنفسه مكان المعركة في دهاء عسكري لا يكاد يتكرر في التاريخ الا نادراً. وذلك حين تقدّم فضرب عسكره في وادي برباط في موقع استراتيجي عجيب. كان الموقع عجيبا بحق، فقد تمركز طارق بحيث يكون عن يمين جيش المسلمين وعن خلفه جبل يمنع القوط من الالتفاف عليهم، وكذلك كان عن يساره بحيرة عظيمة لا يستطيع العدو عبورها، ثم انه بقي منفذ اخير في خلف الجيش وهو طريق ضيق بين الجبل والبحيرة جعل عليه طارق بن زياد فرقة حماية حتى لا يباغت المسلمون منه. وبهذا التكتيك العجيب دخل طارق المعركة ملغيا بدهائه التفوق العددي للعدو، ومسيطرا بذلك على مجريات المعركة، فأجبر القوط على ان ينحدروا من فم الوادي الضيق لتتلقاهم سيوف المسلمين الصامدين بالموت الناقع. استمرت المعركة عزيزي القارئ في بعض المصادر لمدة ثمانية ايام متواصلة، كانت جحيما حربيا لا يطاق على كلا الجيشين، وارتقى من المسلمين ثلاثة آلاف شهيد، قبل ان يتنزل نصر الله على عباده وينكشف الغطاء عن ملحمة بطولية فذة، حين خر الجيش القوطي الضخم صريعا تحت ضربات سيوف المسلمين البتارة، وتكدست جثث القوط في ارجاء الوادي فلم يحص عددها، وفر ملكهم تاركا عرشه وبغاله وراءه، ثم قتله الله بعد ذلك وانكسرت شوكة القوط تماما بعد معركة واحدة. ولشدة ما انبهر الناس بهذا النصر غير المعقول في الحسبة البشرية ظهرت وانتشرت اشاعة وكذبة تاريخية شهيرة جدا حين زعموا ان طارق بن زياد أحرق سفنه حتى يقاتل المسلمون بشجاعة، بينما في الحقيقة انه قد ساعده امير قوطي اسمه جوليان نقل جيش طارق فوجا فوجا على سفنه والناس يحسبون انها سفن تجارة، وما احرق طارق السفن بل احرق قلوبهم حين حطم غرورهم وهشم كبرياءهم وخيب ظنونهم وهزمهم برغم تفوقهم العسكري الظاهر. وهكذا ايها القارئ العزيز، وكما كانت اعياد المسلمين تمر عليهم بانتصارات مؤزرة لم يعرف لها سابق في التاريخ، فنحن الآن وببركة ابطال بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وببطولة ضواري غزة وشجعانها، نرى بأم أعيننا المقاومة الفلسطينية المباركة التي انتقلت من رمي الحجارة في البداية وصولا الى اطلاق صواريخ نوعية لم ولن تنجح القبة الحديدية في التصدي لها. فلله در رجال فلسطين ونساء فلسطين واهل فلسطين الذين اعادوا للمسلمين اعيادهم ولو خانوهم الجبناء. وكما افتتح القاضي محيي الدين محمد بن زكي خطبته الشهيرة بعد تحرير بيت المقدس في سنة 583هـ سنختم بنفس الافتتاحية قائلين (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين). ‏[email protected]