15 سبتمبر 2025
تسجيلالصوم في حقيقته له حِكَم ربانية عظيمة تُربي النفسَ على مراقبة الله تعالى في السر والعلن، وليس معناه الحرمان كما يظن بعض الصائمين، أو أن الصوم إنما هو صوم عن الطعام والشراب والشهوة فحسب، مع أن حقيقة الصوم أعلى من هذا وأجلُّ. فهناك فريق من الصائمين يصوم عن تلك الممنوعات التي هي في الأصل مباحةٌ ويفطر على غيرها من المحرمات. كترك الصلاة أو إهمالها، والكذب، والغش، والغيبة، والنميمة، وسماع الأغاني، ومشاهدة المحرمات، وغيرها من المعاصي. فلا شك أن الصوم في رمضان مع إتيان هذه المعاصي يقدح في صحة الصوم ويُنقص الأجر، فلا يُعقل أن يحقق المسلم فريضة الصيام ويترك فريضة الصلاة أو يهملها، فكلتاهما مأمور بهما المسلم، وواجب عليه أداؤهما في الوقت والزمان المحدد لهما، فترك الصلاة والتهاون بها أمر عظيم تكلم فيه علماء الأمة بأحكام شديدة قد تصل إلى التكفير. وكذلك لا يُعقل صيام المسلم عن الحلال ليُبطِلَ صومَه بالكذب في حديثه مع الناس أو يغش في تجارته، فهذه الأمور محرمة في الشريعة في كل الأوقات، فما بالكم بحرمتها في شهر رمضان، لا شك أنَّ حرمتها تكون شديدةًوعقابها كبير. ومن أهم المحرمات التي تجعل من الصوم عملًا ناقصَ الأجر في ميزان الشرع الغِيبة؛ فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام بقوله: ((أَتدْرُون ما الغِيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذِكْرُكَ أخَاكَ بما يَكْرَه))، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟! قال: ((إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فقد اغْتَبْتَه، وإنْ لَم يكُنْ فِيهِ فقد بَهَتَّه)). [رواه مسلم]. ومعنى (بَهَتَّه)، أي: قُلتَ فيه البهتان، وهو الباطل. وفي هذا المعنى أيضًا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ صَائِمٍ حظُّه من صيامِه الجوع والعطش)) [رواه أحمد وابن خزيمة]. وجاء أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنَّمَا الصَّومُ أمانَةٌ، فلْيَحْفَظْ أحَدُكُم أمَانَتَه)) [أخرجه الخرائطي وإسناده حسن]. وروي عن جابر رضي الله عنه قوله: "إذا صُمْتَ، فليَصُم سَمعُكَ، وبَصَركَ، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودَعْ أذَى الخادم، وليكن عليكَ وقارٌ وسكينةٌ يوم صيامك، ولا تجعل يوم فِطرِكَ ويومَ صيامِكَ سَواء". وقوله صلى الله عليه وسلم: ((... فَإِذا كَانَ يَومُ صَوْمِ أحَدِكُم، فلا يَرفُثْ يومَئِذٍ، ولا يَصخَبُ، فإن سابَّه أحَدٌ، أو قَاتَلَه، فليَقُلْ: إنِّي امْرُؤ صَائِم)) [رواه البخاري ومسلم]. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَه وشَرَابَه)) [رواه البخاري]. والحاصل أن الوقوع في شيء من المناهي الشرعية، تتنافى مع مقاصد الصوم، وهي وإن كانت لا تُفسِد الصومَ وَفْقًا للخلاف الفقهي إلا أنها تفسده وَفْق النظر المقصود من الصوم وتجعله صومًا ناقصًا لا معنى له. وقد يكون من رحمة الله بعباده، أنه لم يجعل المعاصيَ مُفسِدة للصوم؛ لأنها مما يشقُّ على الناس تجنُّبُها تمامًا، ولا يَسْلَم منها إلا من سلَّمه الله تعالى. فلنحرص على سلامة صومنا من كل ما يُنقِص أجرَه،ولنجعل رمضان فرصةً للإمساك عن المعاصي والتدرُّب على ذلك في رمضان. اللهم وفِّقنا لطاعتكَ ومرضاتكَ يا رب العالمين.