15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحيص بيص العربي

13 مايو 2015

عندما تجلس أمام أية شاشة فضائية أو تفتح جوالك الذكي على أي موقع للتواصل الاجتماعي سوف تشعر بألم حاد ومرارة شديدة لما يحدث للعرب والمسلمين من تمزق وقتل وتخريب ولعلك تسأل عن أسباب هذه التراجيديا الدموية فتلجأ للمحللين ورجال السياسة لتفهم الطلاسم وتفك الألغاز لكنك سوف تزداد حيرة وارتباكا لأن كل محلل سينظر لما يجري بعيونه الذاتية من وراء حجاب أيديولوجي أو مصلحي عاجل أو سوف يدلس الحقائق حتى يضيعك في غابة من التوريات والفخاخ فلا أنت تفهم ولا أنت تستريح. خذ لك مثلا قضية الساعة وهي انتشار ظاهرة الإرهاب فإني أتحداك أن تفهم من هؤلاء السياسيين العرب حتى ماهو الإرهاب! وما هو تعريفه الصحيح لأن كل سياسي منهم سيتهم خصومه الشخصيين بكونهم إرهابيين ولا إرهاب سواهم حتى أن بعض التغريبيين العرب حشروا في خانة الإرهاب علماء وفقهاء وسطيين وغاية هؤلاء ليست مقاومة الإرهاب بل مقاومة الإسلام.هناك وقائع نراها ونعيشها في كل المجتمعات العربية اليوم ولا يمكن لأحد أن يخفيها لأنها ساطعة كالشمس فالذي يجري هو تساقط قطع (الدومينو) الواحدة تدفع الثانية وهكذا دواليك وأنا أذكر أنني في التسعينات عندما كنت أتجول في الأسواق التجارية في دول الخليج أرى المكاتب الصغيرة للجمعيات الخيرية التي تجمع التبرعات من أهل الخير وكانت كلها تتجه لضحايا العدوان الإسرائيلي من إخوتنا الفلسطينيين وإلى المساهمة في إنقاذ القدس الشريف وتعزيز المقاومة والتخفيف عن سكان الملاجئ المنتشرة في البلدان العربية المجاورة بخيامها الهشة وعجز وكالة الغوث الأممية عن تلبية حاجيات أطفال فلسطين من غذاء وكساء ودواء وتعليم ومع فلسطين لن يكون على اللافتات سوى الصومال وحربه الأهلية الطويلة ومرت السنوات وجاء القرن الحادي والعشرون متزامنا مع زلزال الحادي عشر من سبتمبر 2001 وكنت في صباح ذلك اليوم العجيب أقضي بعض الشؤون في الدوحة فإذا بالزميل أحمد الشولي يهاتفني من قناة الجزيرة يدعوني للالتحاق فورا باستوديو الجزيرة لأعلق على حدث غريب ومفاجئ جدا منذ لحظات وهو الهجوم على البرجين في مانهاتن بنيويورك وفي دقائق كنت أمام الكاميرات وأمام عيون الزملاء الحائرة ولم نكن نعلم بما وراء الحدث ولكننا كنا موقنين بأن هذا اليوم فاصل بين أمس العرب ويومهم ومصيرهم وبالفعل هكذا حدث المنعرج الخطير في العلاقات الدولية وأعلن الرئيس بوش الابن حربا نعتها هو بلسانه بالصليبية صراحة حتى لو اعتذر بعد ذلك وقال في حديثة لقناة (سي أن أن) أن الرب هو الذي أوحى إليه بغزو العراق كرسالة دينية يؤديها خدمة لتعاليم المسيح! وبدأ العالم العربي منذ 2003 تاريخ احتلال العراق وتفكيك الدولة وحل الجيش يدخل مرحلة الفوضى وفتح قمقم الصراعات الأهلية ليخرج منه عفريت الطائفية والعنف الأعمى بعد أن تعايشت الطوائف والأعراق والأديان على مدى قرون دون أن تكون عقبة أو تشكل معضلة.وأعود بكم إلى مكاتب جمع التبرعات الخيرية التي كانت تعلن عن مصائب إخوتنا الفلسطينيين والصوماليين فإذا بنفس المكاتب الخيرية منذ 2003 تدعو المتبرعين لإعانة إخوانهم في دارفور وجنوب السودان ثم جاء الدور على العراق والهاربين منه بالملايين منذ الحصار في عهد صدام حسين إلى الحروب الطائفية في عهود من جاء بعده ثم حملت اللافتات اسم سوريا (أعينوا إخوانكم السوريين) ومئات الآلاف من قتلاها وجرحاها وأيتامها ولاجئيها واليوم التحق اليمن وهو مهدد بحرب أهلية شاملة بالإضافة إلى قائمة جديدة من مآسي بلدان المسلمين من أفغانستان إلى تشاد إلى الشيشان إلى ضحايا الإرهاب الديني المتطرف في إفريقيا الوسطى وبورما ومقاطعة شانغ يانغ في الصين إلى ضحايا العنف العنصري في الولايات المتحدة وأوروبا. فمن ستعين يا عبدالمعين وأنت نفسك مهدد في عقر دارك لم تعد تثق في سلامة مجتمعك فانظر مثلا إلى أقل الحالات سوءا وأكثرها تفاؤلا أي وضع تونس وهي بلا شك بلاد بدأ فيها وانطلق منها رفض الاستبداد سنة 2010 وتبدو أمنة نسبيا نجح مواطنوها في التوافق على دستور وجرت فيها انتخابات أقرب إلى النزاهة وأفرزت مجلسا تشريعيا وحكومة ورئيس جمهورية بأقل التكاليف لكنها لم تأمن ولن تأمن ما دامت عاجزة عن خوض معركة الإصلاحات الكبرى وتغيير القوانين القديمة العقيمة التي خلدوها لأنها تسمح بالفساد والسلب والنهب وما دامت الفوضى مستشرية في جارتها ليبيا حيث تنتصب حكومتان وبرلمانان وسط مئات الميليشيات وبقايا جيش متنافر متناحر لا يطيع أوامر مركزية لطرف من الأطراف فهذا يقصف ذاك وكل يدعي شرعية مؤقتة ورأينا بعض الفصائل تجتمع “من أجل السلام والوفاق” في الجزائر وفي المغرب ولا يخرجون بحل ولا يتوقف (الآر بي جي) بل ازداد الوضع تأزما بقتل المصريين الأقباط والصحفيين التونسيين وهذا يندد بذاك وكثرت الألفاظ الجديدة لتعريف ما لا يعرف وتسمية ما لا يسمى كأن اللغة العربية التي خلقت لتفسير الأشياء أصبحت أداة لتبرير القتل وتغطية الإجرام. فلا أحد في ليبيا اليوم يمكن أن يعرف لنا أين هو الإرهاب وأين هي الشرعية! واليوم تدرك نخبتنا التونسية التي حكمت منذ 2011 أنها ضلت السبيل في التعامل مع الحالة الليبية فأضلت الشعب بضلالها ونتذكر كيف أخطأ حكام ذلك الزمن المعقد في تونس عندما تدخلوا في الشأن الليبي فحددوا للشعب الليبي من تونس أين تكمن الشرعية! ولم نكن في تونس آنئذ حددنا حتى شرعيتنا نحن فتم تسليم المسكين المستجير بنا البغدادي المحمودي (رئيس حكومة ليبيا الأسبق) إلى جهات ليبية تدعي الشرعية ولا نعرف اليوم مصير الرجل ولا حتى مصير سجانيه؟ ثم عندما اختار الإخوة الليبيون طريق الحوار اتجهوا إلى الجزائر وإلى المملكة المغربية لأنهم يعرفون أننا كنا نتخبط وأتمنى أن تكون الدبلوماسية التونسية اليوم أكثر وعيا وأوفر معلومات وأقل ارتجالا بعد تنصيب الحكومة التي من المفترض بقاؤها خمس سنوات.