10 سبتمبر 2025
تسجيل"سنرد في التوقيت المناسب وفي المكان المناسب"، عبارة لا تفتأ ترددها النخبة الحاكمة في سوريا كلما تعرضت أرض الوطن لعدوان من قبل الكيان الصهيوني وهي لاشك عبارة تنبئ عن عقلانية شديدة وقدرة على الانضباط والتأني والدراسة قبل الإقدام على فعل غير محسوب النتائج والمرء من حيث المبدأ يوافق عليها ويقرها. ولكن أن يمتد الأمر إلى أكثر من أربعين عاما ولا نرى ظلا لهذا الرد السوري الرسمي على الاعتداءات الصهيونية المتكررة على مواقع مهمة وحيوية، فذلك الذي يمكن وصفه باللامعقول وغير المنطقي، وتبدو لي عقلانية النخبة الحاكمة في دمشق من العيار الثقيل، فهي غير قابلة للاستفزازات التي تطال سيادتها وكرامة الوطن من عدو ما زال يحتل الأرض، غير أن المفارقة أن النخبة ذاتها سارعت بالرد على صبية طالبوا بإسقاط النظام في درعا قبل أكثر من عامين من بوابة تقليد المظاهرات التي شهدتها دول عربية اعتقالا ولم تشأ أن تقبل اعتذارات الكبار والذين انتهزوا الفرصة وحولوا الأمر إلى ثورة حقيقية بدلا من شعارات يرددها صبية وسرعان ما أصيبت كرامة النظام في مقتل، فأقدم على استخدام الأسلحة بكل أشكالها ضد مواطنيه الذين طالبوه بالتغيير والانخراط في عملية تحول ديمقراطي، لكنه اعتبر الأمر تجاوزا لخطوطه الحمراء والمتمثلة في المطالبة بإسقاط رأس النظام بشار الأسد الذي أمر فيما بعد بدك كل المناطق الثائرة وقصفها بالطائرات والدبابات ومدافع الهاون ثم صواريخ سكود، مما أسفر عن مذابح ومجازر تؤشر إلى مدى الشجاعة التي يمتلكها هو وزمرته الحاكمة، فبلغت أعداد الشهداء أكثر من مائة ألف فضلا عن الجرحى وملايين المهجرين والنازحين بالداخل والخارج. لقد ثأر بشار لكرامته التي رأى أنها امتهنت عندما طالبه شعبه بتحقيق أشواقه في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية فأطلق أنيابه الشرسة ضد هذا الشعب الذي لا يليق له أن ينادي بهذه المطالب حسب منظوره وإنما يتعين عليه أن يقبل بما تحدده له الطغمة الحاكمة. بيد أن بشار لم يشعر أبداً أن كرامته امتهنت عندما قام الطيران الحربي الصهيوني بطلعات جوية على بعد أمتار فوق قصره الرئاسي باللاذقية أو عندما دكت قوات الكيان موقعا رأت أنه يشهد استعدادات لامتلاك أنشطة نووية أو عندما دكت مواقع عسكرية حيوية خلال الشهر الماضي، ثم خلال الأسبوع الفائت عدة مرات. كل ما فعله بشار وأركان حكمه الأشاوس هو تكليف وزير الإعلام الهمام المسمى عمران الزعبي بعقد مؤتمر صحفي هش في معلوماته وتحليلاته وعبر عن عجز السلطة الحاكمة في التعامل مع العدوان الصهيوني وربما العبارة الوحيدة التي ذكرها وتوقفت عندها وكالات الأنباء هي أن هذا العدوان سيفتح الباب أمام كل الاحتمالات لكنه لم يحدد طبيعة هذه الاحتمالات، هل هي سياسية أم عسكرية أم تأخذ أشكالا أخرى، ثم خرج مصدر سوري رسمي يؤكد أن الرد السوري على هذا العدوان سيكون في التوقيت المناسب وهو ما قمت باختياره - من قبيل السخرية بالطبع - عنوانا للقصة الخبرية الرئيسية في صفحة الشؤون العربية للأهرام والتي قمت بإعدادها في عدد الثلاثاء الفائت. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سرب النظام بعضا من أوهامه من قبيل أنه سيتم السماح للفصائل الفلسطينية بتوجيه ضربات إلى الكيان عبر هضبة الجولان ثم تطوع السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بالتصريح بأن الرد على الكيان سيكون عبر الحزب الذي سيحصل على سلاح نوعي من سوريا، وأقسم بالله أتمنى أن يكون ذلك في خانة الحقيقة وليس من باب حملات العلاقات العامة التي تدافع عن النظام بحق وبدون وجه حق. ثم تجلت شجاعة الأسد في التصريحات المبهمة التي أدلى بها يوم الخميس الماضي والتي ذكر فيها أنه لا يسعى إلى انتقام تكتيكي من إسرائيل وإنما إلى انتقام إستراتيجي هل فهم أحد منكم أي معنى لهذه العبارات الفضفاضة وهي من نوع الكلام الكبير لكنه بلا معنى في الواقع ثم يتحدث عن رغبته في تحويل سوريا إلى دولة مقاومة على نمط حزب الله هل رأيتم خروجا عن المألوف على هذا النحو وأنا هنا أستخدم مفردات مهذبة ورغم كل ذلك فإن المرء يتساءل: لماذا لم يبادر بشار بعد هذه الغارات التي تشكل إهانة لكل عربي بالرد على الكيان ولو من قبيل ذر الرماد في العيون خاصة أن لديه السلاح والطيران والدبابات والصواريخ والمدافع التي يستخدمها ضد شعبه فيتحول إلى بطل للمقاومة مع إعلانه المتزامن عن إجراء تحولات ديمقراطية جوهرية في نظام حكمه، فقد يشفع له ذلك عند الشعب الذي ثار ضده وقد يلتف حوله. لكن البعض قد يرى في المقابل بأن أي رد عسكري قد يقود إلى احتلال الكيان لسوريا بسبب القدرات الفائقة التطور التي يمتلكها والتي جعلته وفق التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأكثر تفوقا على كل جيوش الدول العربية مجتمعة ومن ثم يمكن أن يؤدي ذلك إلى إسقاط بلاد الشام تحت وطأة احتلال صهيوني وهو ما سوف يخلط الأوراق ويعيد ترتيب أولويات الأزمة السورية بحيث يكون التحرر من الاحتلال الصهيوني على رأسها. ربما يكون هذا التحليل صحيحا ولكن متى كانت كرامة الأوطان تدار بهذا المنطق ولو كان ذلك صحيحا مائة في المائة لما دخل الشعب الفيتنامي حروبه الشرسة ضد الاحتلال الفرنسي في الخمسينيات من القرن الفائت وضد الاحتلال الأمريكي في ستينيات وسبعينيات القرن نفسه، بل إن تجربة حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين مؤشر قوي على هشاشة هذا الطرح. باختصار النظام في سوريا أسد على شعبه لكنه سرعان ما يتحول إلى نعجة في مواجهة الكيان الصهيوني. لقد ذكرت غير مرة من قبل أن كمية الأسلحة والعتاد العسكري من مختلف الأنواع برا وجوا التي استخدمها بكثافة ضد الشعب السوري الثائر من أجل حريته كان بوسعها أن تحرر، ليس هضبة جولان واحدة، وإنما مائة هضبة لكنه لا يمتلك الإرادة أو الرؤية، ربما يترك الأمر للأجيال القادمة التي لن ترحم هذا النظام أبدا على كل ما اقترفه من جرائم في حق الشعب وكرامة الوطن التي تئن تحت وطأة صمته المريب على العدو الذي بات يتباهى بغاراته التي شنت بالتوجيه عن بعد وطالت الحرس الجمهوري وقوات الفرقة الرابعة التي تعد أقوى فرق الجيش السوري الرسمي الذي نتمنى أن يستعيد عروبته ووطنيته بعد أن أقام على مدى العامين المنصرمين في خانة الدفاع عن بشار وأركان حكمه وربما طائفته فحسب. السطر الأخير: أيا سيدة الحلم اسكني الروح العطشى صبى وجدك الصوفي بجوانحي النشوى تترقب طلوعك همسا رحيقا بمدرات العشق الأبدي