11 سبتمبر 2025
تسجيلقال إيليا أبوماضي في بيتٍ لا أخيله إلا أن يخلّد في جميل الشعر وعذب القصيد : (كن جميلاً ترى الوجود جميلا) حكمة لطالما ستسكن في حواشي الألسن وستحفظها القلوب التي في الصدور، لأنها محتاجة لذلك لكي لا تعطب. ففي أرض الواقع، تلك البقعة النائية جداً عن المدينة الفاضلة بجميع قوانينها المثالية والملائكية، نعيش نحن البشر، أنفس يعتريها النقص الخطير، والقصور الجسيم، ومن العيوب الشيء المهول العظيم، ولكن الله خير ساترٍ، وهو العليم الحكيم. ففي بيئة لم تكمل ولا ينبغي لها الكمال، لا أظن أن بشراً يقطنون فيها، إلا أنهم يخطئون، ويتعرضون للخطأ، قد خلقوا جسوراً من التغافل والتجاوز يسيرون عليها، لكي لا تُخلق الهوة العظيمة فيما بينهم، فلا هم الأنبياء بحيث عُصموا من الخطأ، ولا هم ملائكة خلقوا من نور. ولكن، ماذا لو صار خُلق البعض التذمر، وسياستهم الانتقاد المتواصل بلا كللٍ ولا ملل..! ماذا لو أن أنفسهم التي لا تشبع ولا تقنع، قد سحبت من أعينهم الجمال، فلم تعد ترى الجميل جميلا، ولا الحسن حسنا، فباتوا ينتقدون هذا، ويعيبون ذاك، يتذمرون من البعيد، والقريب كذلك، يشعر جليسهم بملل وإزعاج لا يهدأ ولا يتلاشى، ثم سؤال ملح يقول: اكملوهم؟ حتى يطلبوا من الكون كمالاً..؟! مما لا شك فيه أن التغيير مطلوب جداً، فرفض التغيير نفي للتطور وتراجع وتغيير للأسوأ، ولكن يجب أن تنطلق نقطة التغيير من الشخص نفسه لا أن تنطلق من الشخص المقابل، لأنه حينئذٍ سيكون تغييراً ناقصاً وباطلاً، وما بُني على باطل فهو حتماً باطل، إذ يقول الله تعالى: (إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ). ثم إنه قد لا تحتاج الأشياء من حولنا إلى التغيير، ولكن العين الناقدة التي لا تسأم قد اعتادت على التذمر والانتقاص، إلى أن أصابها العمى في أن تُبصر الجمال من حولنا، على الرغم من أن الكون المحيط بنا يضج بالجمال والحسن والبهاء، فقط لو أننا أردنا أن نُبصر ذلك. نحن خلقٍ غير كامل البتة، نرتكب الخطأ في لحظات قصورنا، ونعمل بالصحيح في وقتِ هدايتنا، ثم إننا نطلب من الله العفو والمغفرة، لذلك وجب علينا إدراك أن التغافل أحد سادات التعامل، وأن التجاوز عن ثغرات النقص من حولنا هو من الحكمة، ففي النهاية كلنا بشر، لا درب للكمال علينا، لأن الكمال اختص بالله عز وجل، وقد وجب له سبحانه وتعالى ذلك، فقط فلنزرع الجمال في أبصارنا، وفي قلوبنا وألسنتنا، ولنردد كما إيليا أبوماضي : (كن جميلاً ترى الوجود جميلا ).