16 سبتمبر 2025

تسجيل

إسرائيل واستغلالاتها لـ"الربيع العربي"

13 مايو 2012

ساد اعتقاد مطلع الأسبوع الماضي بأن المناورة التي أجراها بنيامين نتنياهو لتوسيع ائتلافه الحكومي، بضم كتلة "كاديما" الأكبر في الكنيست إليه، ربما كانت تمهد لنقلة نوعية في السياسة الإسرائيلية، وربما عزز هذا الاعتقاد أن اتفاق زعيم "ليكود"، مع زعيم "كاديما" الجديد شاؤول موفاز لم يغفل الإشارة إلى العمل على إطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين، لكن التصريحات الإيضاحية للرجلين لم تخرج عن السياق العام الذي تنتهجه هذه الحكومة منذ ولادتها في عام 2009، وهو الحديث دائما عن ضرورة معاودة التفاوض والعمل دائماً على إحباط أي محاولة لاستئنافها. واقعياً، كانت دوافع توسيع الائتلاف مختلفة تماماً، فما حتَّمه هو الحسابات الانتخابية، فعندما حصد "كاديما" 28 نائباً عام 2009 كان لا يزال قوياً، إلا أن بقاءه خارج الحكم أضعفه، تم زاد ضعفاً بفعل الصراع بين زعيمته تسيبي ليفني وموفاز إلى أن حسمه الأخير بحصوله على زعامة الحزب، في تلك اللحظة طرح نتنياهو فكرة الذهاب إلى انتخابات مبكرة، مدركاً أن ليكود يمكن أن يخرج منها بحصيلة أكبر لأن "كاديما" لن يحصل هذه المرة على أكثر من 12 نائباً، ولم يرد موفاز هذا الاختبار لذا فضَّل أن يساهم في إطالة عمر الحكومة بالانضمام إليها. وهكذا حصل نتنياهو على أوسع ائتلاف يميني في تاريخ الحكومات الإسرائيلية. بالإضافة إلى هذا المكسب غير المسبوق اطمأن ليكود إلى أن ضخامة الائتلاف ستلجم كتلتي "إسرائيل بيتنا"، و"ساس" وتخفف ضغوطهما عليه، كما أنها تدعم موقفه حيال الإدارة الأمريكية إذا ما أعيد انتخاب باراك أوباما لولاية ثانية واحتمال تجدد المواجهة بين الرجلين، وفي الوقت نفسه، هناك من قرأ دخول موفاز الحكومة بأنه قد يهدف إلى استئناف البحث في توجيه ضربة لإيران، إلا أن اسرائيل اضطرت أخيراً إلى سحب هذه "الضربة" من التداول الإعلامي ونالت مساعدات عسكرية أمريكية ثمنا لسكوتها وانكفائها، مادام الحلفاء جميعاً من أمريكيين وأوروبيين لا يحبذون أي خيار عسكري ضد إيران. إذا كانت لدى نتنياهو مشاكل مع ائتلافه فهي تحديداً في قضايا داخلية، وأهمها اتفاق الأحزاب على الميزانية ومعالجة الاحتقان الاجتماعي الذي أدى إلى تظاهرات واحتجاجات شلّت مرافق الدولة في بعض الأحيان، فالميزانية موضع أخذ ورد بين أعضاء الائتلاف لأن بنودها مرادفة عندهم لمصالح سيستثمرونها لاحقاً في الانتخابات المقبلة. وعلى سبيل المثال فإن أفيغدور ليبرمان يعول على مكاسب كهذه لجعل كتلة "إسرائيل بيتنا"، منافسة على رئاسة الحكومة، وهو كان استطاع حصد 15 نائباً في الانتخابات الأخيرة مقترباً من حصيلة حزب العمل التي اقتصرت على 18 نائباً قبل أن تتآكل بفعل الانشقاقات. الأكيد أن ما يتعلق بالشأن الفلسطيني ليس موضوع خلاف داخل حكومة نتنياهو، بل انه لم يعد موضع نقاش إلا في جانبه الأمني، فالخيارات المتطرفة التي تبناها الائتلاف ليست مهددة بوجود موفاز إلى طاولة مجلس الوزراء، إذ أن التوسع بالاستيطان بات موضع إجماع رغم أن بعض استطلاعات الرأي تفاجئ أحياناً بوجود نسبة مهمة من الرأي العام لا تمانع وقفة من أجل استئناف المفاوضات، فحتى قضية الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام وما استدعته من ردود فعل دولية لم تشغل الحكومة في أي من جلساتها، رغم أنها في نظر العديد من المراقبين قد تكون سبباً لانتفاضة ثالثة، ولعل هذه اللامبالاة الإسرائيلية عينة من سياسة باتت مبرمجة للتعامل مع مختلف ظواهر المقاومة الشعبية التي اعتمدها الفلسطينيون ويراهنون على سلميتها لتحريك قضيتهم. في هذا الملف، أو في سواه، لا يشكل انضمام "مجرم الحرب" المصنف دولياً شاؤول موفاز إلى الحكومة أي مؤشر إلى تغيير نوعي في سياسات إسرائيل، فقضية الأسرى هي في حقيقتها قضية رهائن تحتجزها عصابات ولا تطلقها إلا إذا عقدت صفقة ما تحصل فيها على ثمن معين للإفراج عنها، وفي الحال الفلسطينية تعمل هذه العصابات بمثابة "حكومة" تدعي أنها تطبق قوانين فيما هي مبنية أساساً على مخالفة للقوانين الدولية بحكم استمرارها في الاحتلال، وتحظى هذه العصابات بحصانة وحماية من الولايات المتحدة التي تستخدم كل ثقلها الدولي لتعطيل أي إدانة أو محاسبة أو معاقبة لـ"دولة" خارجة على القانون. وقد برهنت الولايات المتحدة التي تحمست لمساندة الثورات والانتفاضات العربية ضد أنظمة الاستبداد، أنها في كل الأحوال تستثني إسرائيل ونظامها من أي مطالبة بأن يكونا أكثر احتراماً لحقوق الإنسان أو لأي ملمح من ملامح الروح الديمقراطية، متناسية أن الاحتلال الإسرائيلي يمثل أبشع درجات الاستبداد بممارسة أقصى الوحشية في القمع وارتكابه جرائم الحرب الأكثر قذارة. يعتبر كثير من المحللين أن إسرائيل تعيش حالياً أفضل الأيام منذ تأسيسها قبل أربعة وستين عاماً، فللمرة الأولى في تاريخها لم تعد حدودها مهددة، كما أنها توصلت إلى فرض سطوتها سواء على قطاع غزة أو على الضفة الغربية، ومن جهة ترى أن الأزمة السورية ساهمت في تقليص المخاطر على حدودها الشمالية، ومن جهة أخرى تتوقع أن تتفاقم تلك الأزمة بحيث تنعكس على التحالف السوري-الإيراني وامتداده اللبناني بعدما أضعفت خطورة امتداده الفلسطيني، لكن إسرائيل اكثرت أخيراً من الإشارة إلى "الخطر المصري"، الذي لا يتعلق عملياً بالدولة والجيش المصريين وإنما بما تعتبره انفلاتاً في سيناء – لذلك تعمل حالياً على تأسيس كتائب خاصة لمواجهة هذا الخطر، ويبدو أن موفاز هو من سيتولى هذه المهمة. كانت إسرائيل زرعت في المنطقة العربية خلال الحقبة التي كانت الدول والشعوب تستعد لنيل استقلالها والتخلص من الاستعمار، وفي المرحلة الراهنة فيما تتجه الدول والشعوب العربية إلى إنهاء عهد الاستبداد تشعر إسرائيل بأن الأخطار الاستراتيجية عليها قد زالت، لكن مجرد وجودها وإحباطها أي حل يضمن حقوق الفلسطينيين من شأنهما أن يسمما المرحلة العربية التالية.