19 سبتمبر 2025
تسجيلمن الظواهر الجديرة بالدراسة والتأمل: أن بعض مجتمعاتنا في عالمنا الإسلامي تشهد تصدعاً ملحوظاً في منظومة القيم والآداب التي تحكم العلاقات الاجتماعية بين مختلف الطبقات والشرائح، وأصبح بعض الناس يشعر بأنه في غابة متوحشة، يجري فيها وراء أهوائه ومصالحه الشخصية، فالبقاء عنده فيها للأقوى والأقدر على انتزاع مطالبه الدنيوية ونزواته البهيمية. إن الحضارة المعاصرة بكل ماديتها وقساوتها حولت الإنسان إلى آلة مجردة صماء؛ يتحرك فيها بمعزل عن بقية الناس، فتقطعت كثير من العلاقات الاجتماعية، وازدادت مظاهر الأثرة والجفاء، وانتهبت حقوق الضعفاء والمساكين..! ومن هنا ظهر الحث على التراحم الاجتماعي الذي تمثل في إعانة الفقراء وإغاثة المنكوبين، فصاحب القلب الرحيم هو الذي يحس بآلام الفقراء والمساكين ويستشعر أحزانهم وأوجاعهم، ويسعى لتخفيفها، وينتزع من ماله ما يعين به ذوي الحاجات والكربات، كما قال تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)، "الإنسان: 8"، (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)، "الإنسان: 9"، إن سيادة الرحمة في المجتمع تعزز أواصر الأخوة والترابط الاجتماعي، وتزيل عوامل الجفوة التي تكون بين الغني والفقير. ومن أوسع أبواب التربية، وتهذيب المشاعر الإنسانية: الإحسان إلى الضعفاء، والرحيم من إذا رأى عجزهم ومسكنتهم يرق قلبه وتتحرك فيه الرحمة، فيعطي بلا منّ ولا أذى، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مواساتهم سبب لحياة القلب، فحين شكا إليه رجل قسوة قلبه، قال له: "إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم". المتأمل في واقع المسلمين اليوم أيها الشباب: يرى أن بعض ديارهم تعرضت لبعض الكوارث والنكبات، ويشيع فيها الفقر والمرض، ومن واجب المسلمين أن يسعوا بكل عزيمة لنصرة اخوانهم، وتفريج كرباتهم، ولا يعرضوا عنهم أو يسلموهم للمنظمات النصرانية التي تستهدف دينهم وأخلاقهم. ومن الأمثلة التي تدل على شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ومبادرته في إعانتهم، فقد جاءه في صدر النهار قوم حفاة عراة، متقلدي السيوف عامتهم من مدر فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)، إلى آخر الآية (إن الله كان عليكم رقيبا)، "النساء: 1"، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: (ولو بشق تمرة) فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة. إن هذا التراحم سر عظمة هذا الدين، وما ضعفت الأمة إلا بعد أن فرطت في هذه الأسس التي تنشر الرحمة امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه" أخرجه أبوداود.