14 سبتمبر 2025
تسجيلغايةُ ما نطمح إليه في مسيرة الحياة هي النجاة من الافتتان بالدنيا وزخرفها وتحقيق العبوديَّة للخالق سبحانه والتوفيق إلى الثبات على الطريق الصحيح حتى الرحيل. والذي يحقق لنا ذلك هو الفهم الحقيقي للحياة الدنيا وما فيها، والغاية أو الهدف الذي خُلقنا من أجله. قال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (الحديد: 20). هذه الآية الكريمة لخَّصت لنا حقيقة الدنيا ومتاعها الزائل الذي ينبغي لنا الزهد فيه وعدم التعلق بما نملك في هذه الحياة؛ لأن الملك لله في النهاية والدنيا إلى زوال، لا يأخذ الإنسان منها إلا عمله الصالح. فعملك هو ميزان الجزاء ومركب النجاة لك. فالمسلم يتعامل مع الدنيا على أنها محطة، له فيها وقت محدد وسوف يغادرها. وقد كانت حياة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - كلها دروسًا في الزهد وعدم التعلُّق بالدنيا، فعن عبد الله بن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه – أنه قَالَ: نَامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً. فقال: «مَا لي وَللدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (رواه الترمذيُّ، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). وليس معنى الزهد التقشف وعدم الاستمتاع بالطيبات والنعم التي رزقنا الله إياها، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أزهد الخلق وأتقاهم لله ولم يحرم نفسه من الاستمتاع بالمباح، إنما معنى الزهد هو الرضا، فلا تحزن على ما فاتك من الدنيا ولا تفرح بما تملك فيها، قال تعالى: «لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ» (الحديد: 23). والزهد له عدة أوجه، فصَّلها الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - قائلًا: «الزهد على ثلاثة أوجه: الأول: ترك الحرام، وهذا زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال، الشيء الزائد على الحد، وهذا زهد الخواص. لكن أعلى مرتبة في الزهد: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين». وأوضح تعريفات الزهد، في نظري، هو انشغال القلب بالآخرة والعمل لها والاستعداد للموت. وفي العشر الأواخر روحانيَّات عالية تجرِّد المسلم من التعلُّق بأمور الدنيا وملذاتها، فبادِر باغتنام الأوقات في الطاعات ومرضاة الله تعالى، واحرص كل الحرص على قلبك من التعلُّق بالدنيا مهما تغيَّرت أحوالها وزادت مفاتنها وعلا زخرفها. خذ من دنياك ما يكفيك للعيش فيها بسلام وأمان، ولا تجعلها أكبر همومك، ولتكُن الآخرة همك الأكبر تأتِك الدنيا رغمًا عنها. نسألك اللهم توفيقًا في الحياة الدنيا ونجاةً من الفتن وأن تجعل الآخرة نصب أعيننا في كل وقت وحين، ووفِّقنا اللهم للعمل لها يا رب العالمين.