27 أكتوبر 2025

تسجيل

سامحني هذه المرة يا دكتور

13 أبريل 2021

من عيوبي الشخصية أنني أحترم قرارات وتوجيهات الأطباء، وأسميت الالتزام بما يقوله لي الأطباء لتخليصي من العلل عيبا لأن هناك من يقول ان كلام الدكاترة مثل كلام الجرائد، على ما في هذا من التجني على الإعلام والطب، بل هناك من يعتبر من يلجأ الى الطب جبانا، وكيف لا ونحن نقول: الدكتور اتهمني بزائدة!! هل الدكتور يتبع للنيابة العامة وهل التهاب الزائدة الدودية جريمة؟ وكيف لا ونحن شعوب «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، وبهذا ندعو الى الكف عن اللجوء الى الطب وعرض أحوالنا الصحية على أشخاص «خبرة» في مجال المرض، وقد يكون من خبراء زماننا هذا الذين اخترعوا علاجا ناجعا يقهر فيروس الكورونا: خل وكركم بالكراميل وقرنفل بالبشاميل. ولكنني أعلنها اليوم صراحة بأنني سأطنش علنا وعلى رؤوس الأشهاد نصيحة الطبيب بأن أتجنب البروتينات. ولماذا أفعل ذلك؟ لأنني أعاني من ارتفاع في حامض اليوريك مما يجعلني مرشحا لمرض النقرس، وهو مرض لئيم يسبب ألما فظيعا في الأطراف وخاصة في أصابع القدمين، وقد يستفحل ويجعل حركة الإنسان مشلولة او محدودة؛ وفي بادئ الأمر ارتفعت معنوياتي لأن النقرس فيما يقال مرض البرجوازية الكبيرة الشبعانة والمترفة، وكان في العصور القديمة يصيب علية القوم الذين لا عمل لهم سوى القنص وأكل لحم الطرائد التي يصطادونها، وتذكرت يوم لزمت سرير مستشفى حمد العام بسبب اضطراب هضمي شديد القسوة وقالوا لي انني مصاب بالتهاب في القولون يصيب عادة الشعوب الأوروبية، فتأكد لي عندها صدق حدسي بأنني من السويد وان غلطة مطبعية جعلتني من السودان، فإذا بالطبيب يقول لي ان ذلك الالتهاب ماركة مسجلة لفئة دنيئة من الأوروبيين، فتبرأت من ذلك المرض على الفور وكان الله بي رحيما فقد اتضح انني لا أعاني من ذلك الالتهاب (يسمى السراتيف كولايتيس) وبعد فرحة قصيرة الأمد بالانتماء الى طبقة الهوامير بـ «المرض»، استيقظ عقلي ونبهني بأن ذلك انتماء كاذب ولا يدعو للسرور والتباهي، وأن النقرس لن يغير من وضعي الطبقي كثيرا، وأنني سأظل «زولاً» كحيانا ولن يرتفع وضعي الاجتماعي بارتفاع معدلات حامض اليوريك في جسمي؛ وقال لي الطبيب: بلاش لحوم.. قلت: لا مانع، فقد صرت أعاف لحوم هذا الزمان العابرة للقارات، والتي صارت بلا طعم او رائحة، ولكنه منعني من الفول والعدس والفاصوليا، فصحت: هذه مؤامرة.. كيف أستطيع ان أتنفس أو أتحرك بدون فول او عدس؟ عند الفطام يطعمون الصغار السريلاك وأطعمة أخرى مهروسة وشهية ولكن أمي فطمتني بالفول والعدس فصارا جزءا من تركيبتي الكيميائية. وهكذا لم يكن أمامي سوى إعلان التمرد على نصيحة الطبيب، وأنا أصلا من بلد التمرد فيه ممارسة عادية، ومن ثم أعلنت ما يلي: إذا كان تفادي النقرس يستوجب مقاطعة الفول والعدس فمرحبا بالنقرس والفرقس والجقدس والفسفس. المسألة مسألة مبدأ: حرمان سوداني من الفول لا يقل استفزازا عن وضع دارفور تحت حماية قوات أمريكية او إسرائيلية. وأستطيع ان أقاطع اللحوم الحمراء شهورا متصلة. ودجاج آخر الزمان الذي نشتريه مطبوخا او نطبخه في البيت غريب ومريب. حتى البيض صرت «أشك» فيه بعد ان عرفت ان الدجاجة صارت تبيض دون حاجة الى ديك (وفي ظل العبث العلمي السائد باسم الاستنساخ هناك من يسعى لإلغاء دور الرجل في عملية الحمل والإنجاب.. وا ضيعة شواربنا). في 13 يناير المنصرم نشرت جريدة تايمز اللندنية تقريرا مفاده أن جهات هولندية وأمريكية تعمل على زرع وإنتاج لحوم في المختبرات دون الحاجة الى تربية حيوانات.. هناك خلية اسمها مايوبلاست تتحول الى عضلات ويتم سحبها من حيوان (بقرة مثلا) وتحفيزها للتكاثر في خليط من الغلوكوز والأحماض الأمينية والمعادن وعناصر أخرى حتى تتشكل منها شرائح لحم تصلح للفرم او الشواء. وقد نجحت تجربة تزريع اللحم بكلفة 10 آلاف دولار للكيلوغرام الواحد.. يا بلاش.. ومرحبا بالنقرس.. طيب لماذا كل هذا التعب والحيوانات موجودة وتتكاثر؟ قالوا ان الحيوانات تسبب أمراضا لا حصر لها، والأبقار على وجه التحديد معروف عنها انها تنتج كميات هائلة من الغازات التي تسبب ظاهرة الإحماء (البيوت الزجاجية). يعني تختفي الحيوانات وتصيح أم الجعافر وأنا أغادر البيت: ما تنسى تروح المختبر تفحص الدم للملاريا.. وهات معك (من المختبر) كيلو لحم مفروم.. وربع كيلو بفتيك ونص كيلو ستيك (البفتيك والستيك اسم الدلع لشرائح اللحم.. وهناك شيء تسميه المطاعم الفاخرة سكالوب بانيه، وهو شريحة لحم أيضا بها غنج ودلال فرنسي). [email protected]