11 سبتمبر 2025
تسجيلتشكل عاصفة الحزم وهو المسمى الذي أطلق على التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وعضوية تسع من الدول العربية، ربما لأول مرة في التاريخ العربي الحديث، مرتكزا لنمط جديد من التضامن وتوحيد الصف فيما بين الدول العربية قولا وعملا، وفق تعبير إعلان شرم الشيخ الذي صدر عن القمة العربية الأخيرة. وبالذات مصر ومنظومة مجلس التعاون الخليجي. وبوضوح فإنها بلورت عمليا دعوات ظلت تتردد في الأشهر القليلة الماضية بشأن تشكيل تحالف مصري خليجي. يكون بوسعه ضبط حالة السيولة في النظام الإقليمي العربي الذي تعرض خلال السنوات الأربع. لأنواع عدة من الاختراقات التي طالت أمنه القومي سواء من الداخل أو من الخارج. وعلى نحو خاص من أطراف في الإقليم المحيط بالمنطقة العربية على نحو بات يهدد الدولة الوطنية أيضا وتكاد تتحول في بعض النماذج الصارخة إلى دولة فاشلة. ولأن اليمن كانت في صدارة هذه الدول. بعد سيطرة الجماعة الحوثية مدعومة بقوات الجيش والأمن الموالية للرئيس المعزول علي عبدالله صالح. وإسناد لوجستي وسياسي وإعلامي من إيران. فإن عاصفة الحزم تأتى – كما يقول الخبراء مجسدة لروح عربية مغايرة أخذت تجليات مختلفة. فلأول مرة تمسك منظومة مجلس التعاون الخليجي- باستثناء سلطنة عمان لأسباب جيوسياسية تتعلق بها- بزمام المبادرة في عملية عسكرية ضخمة وهائلة من هذا النوع اتسمت بقدر كبير من المفاجأة. بما في ذلك الولايات المتحدة التي لم تعلم بتحضيراتها إلا قبل بدء انطلاق أول ضربات العاصفة الجوية منتصف ليلة الخامس والعشرين من مارس الماضي. بثلاث ساعات وذلك عقب إبلاغ وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان لنظيره الأمريكي بها. هذا أولا، أما ثانيا فإن هذه العاصفة حظيت بتغطية عربية واسعة فباستثناء العراق، لم تعلن أي دولة عربية رفضها لتحالف “عاصفة الحزم”. والذي يضم تسعا منها كغطاء عربي وهي: السعودية ومصر والإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن والمغرب والسودان. وإذا كان ثمة من يتحدث عن تحفظات جزائرية . بشأن هذا التحالف خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب. الذي عقد في اليوم التالي لبدء العاصفة بشرم الشيخ للتحضير للقمة العربية بشأن هذا. فإنها قد سحبت هذه التحفظات. إثر تحرك نشط من قبل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وسامح شكري وزير الخارجية المصري. بعد أن تمت إزالة أسبابها تماما.وثالثا. إن العاصفة تؤسس. لتدخلات عربية أخرى. فرغم أنه كان من الممكن الانتظار حتى تنعقد القمة العربية. ويتم النظر في مسألة اليمن، إلا أن المملكة العربية السعودية لم تنتظر قرارا من القادة العرب، خاصة مع اقتراب دخول الحوثيين إلى عدن، الأمر الذي يؤسس لتدخلات عربية مستقبلا في الأزمات. دون انتظار لقرار من الجامعة العربية، التي كانت قراراتها التي تصدرها للتعامل مع كل أزمة، يحال بينها وبين الترجمة على أرض الواقع. وحسب منظور الدكتور محمد محمد حامد الباحث المتخصص في الشؤون السياسية. فإن عملية عاصفة الحزم جسدت نوعا من الإجماع العربي لمواجهة النفوذ غير العربي في المنطقة، والتصدي لظاهرة الميلشيات المسلحة التي تقيد سلطة الدولة والأهم – كما يقول – فإنها رسمت ملامح مرحلة جديدة في التاريخ العربي المعاصر تتمثل في الاحتشاد في الخندق الواحد وتجنب نقط الخلاف، وهي بذلك صاغت نوعا من الوحدة السياسية والعسكرية والإجماع العربي لمواجهة النفوذ غير العربي في المنطقة، والتصدي لظاهرة الميلشيات المسلحة التي تقيد سلطة الدولة وذلك في عودة مصر وقطر على خط واحد من أجل تلك المواجهة، ورغم أن مسقط لديها حدود مع اليمن فإنها خرجت من الصورة النهائية للتحالف لكي تلعب دور الوسيط المحايد مستقبلا بين أطراف الأزمة اليمنية، لأنها تملك علاقات قوية مع طهران حليف جماعة أنصار اللـه في اليمن.ولاشك أن الميزة النسبية لعاصفة الحزم. تكمن في قدرتها على تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك عمليا بعد الدعوات التي وجهها الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية خلال العام الأخير. وبالذات منذ سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق شاسعة من العراق وسوريا. يقدرها بعض الخبراء بأنها تعادل مساحة دولة عظمى مثل بريطانيا . وإن كانت هذه السيطرة قد تعرضت لاختراقات نوعية بفعل الضربات القوية التي وجهها الجيش العراقي مؤخرا. واستعاد بها محافظة صلاح الدين وعاصمتها تكريت. ثم دخوله في عملية عسكرية واسعة لتحرير محافظة الأنباء اعتبارا من يوم الأربعاء الماضي. ترقبا لعملية تحرير مدينة الموصل الإستراتيجية قريبا. ووفقا لما يراه الدكتور أيمن سلامة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وأستاذ القانون الدولي في هذا الصدد فإن الضربة التي قام بها الائتلاف الخليجي والعربي بقيادة السعودية، وذلك استجابة لدعوة الرسمية من الرئيس اليمني المنتخب، عبدربه منصور هادي، ناشدهم فيها بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لجماعة الدول العربية، هي ضربة شرعية وغير مخالفة للمواثيق العربية والدولية، لافتا إلى أن المادة 51 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، هو الأساس القانوني الذي ارتكزت عليه دعوة الرئيس اليمني، والتي ترخص للدول الأعضاء فردى أو جماعة، بأن تقوم بالدفاع عن النفس ضد أعمال العدوان التي تهدد استقلال الدول ووحدتها الإقليمية، في ظل قيام قوى إقليمية - ألمح إليها الرئيس هادي- بالعدوان ضد اليمن في إشارة صحيحة منه إلى إيران وهو ما يستوجب من الدول ذات السيادة التي يقع عليها العدوان أن تتخذ كافة الإجراءات والتدابير من أجل الحفاظ على استقلالها وسلامة وحدتها وأراضيها ومن بينها الاستعانة بالدول الشقيقة، مؤكداً أن هذه ليست السابقة الأولى في التاريخ العربي المعاصر، فهناك دول عربية عديدة طلبت في الماضي من جماعة الدول العربية مساعدتها عسكريًا، في حالة مشابهة للحالة الأمنية واستجابة للكثير من الدول العربية في ائتلاف عسكري للتحقيق هذا الغرض.والمؤكد أن القرار الصادر عن القمة العربية الأخيرة التي عقدت بشرم الشيخ يومي 28 و29 مارس الماضي كرس حالة التضامن التي أطلقتها عاصفة الحزم فقد عبر القادة العرب في هذه القمة بشكل جماعي عن ترحيبهم وتأييدهم الكاملين للإجراءات العسكرية التي يقوم بها التحالف للدفاع عن الشرعية في اليمن المشكل من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وعدد من الدول العربية بدعوة من الرئيس عبدربه منصور هادي، وذلك استنادا إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك وميثاق جامعة الدول العربية وعلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وانطلاقا من مسؤولياته في حفظ سلامة الأوطان العربية ووحدتها الوطنية وحفظ سيادتها واستقلالها. وأخيرا فإن عملية “عاصفة الحزم”تمثل، في رؤية الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية. مقاربةً جديدةً للتعامل العربي الجماعي الفعّال مع التهديدات الخطيرة التي تواجه الأمن القومي وسلامة واستقرار الدولة الوطنية العربية. والمؤكد لن تكون الأولى. بل ستتبعها وبالضرورة. مقاربات أخرى في ظل الروح الجديدة التي تزامنت مع العاصفة ومع نتائج القمة العربية الأخيرة.