27 أكتوبر 2025

تسجيل

السودان: كل انتخابات قادمة وأنتم صابرون!

13 أبريل 2015

تعاقبت على حكم السودان حتى الآن ثلاثة أنظمة شمولية، سادت البلاد آمادا طويلة. ولم تترك للأنظمة الديمقراطية إلا بعض فتات من حقب تشبه ما يسميه حكام المباريات الكروية بالزمن الضائع! قلنا سادت الأنظمة الشمولية الثلاثة بلاد السودان آمادا طويلة، نعم. ست سنوات تحت قبضة النظام الشمولي الأول برئاسة الفريق إبراهيم عبود، الذي آل إليه منصب قائد عام الجيش السوداني في السودان المستقل بعد قائده الأول الفريق أحمد محمد. والحق يقال أن أوضاع السودان كانت سمنا على عسل. ولم يكن البلد بحاجة إلى انقلاب ولا إلى حكم شمولي يدمر التجربة الديمقراطية الأولى. الميزان التجاري مع بريطانيا العظمى كان يميل لصالحه. وعملته الوطنية كانت تطيح الجنيه الإسترلينى الذي كان سيد الفضاء الاقتصادى والبحار. ولكن رئيس الوزراء وقتها، البيك عبد الله خليل، أقنع مرؤوسه، قائد الجيش، الفريق عبود، أقنعه باستلام السلطة لمدة ستة أشهر، يعيد بعدها الوضع الديمقراطي بعد إجراء انتخابات جديدة. ولم يكن في حسبان البيك أنه بذلك الترتيب قد فتح أبواب جهنم على مستقبل الديمقراطية والحريات السياسية على آخر مدى. وفتح شهية العسكريتاريا السودانية للحكم والاستدامة فيه وقتا لا يعلم مداه إلا علام الغيوب. وصنع خازوقا ظل باقيا فى أخيل الديموقراطية إلى يومنا هذا. والله وحده يعلم مآلاته. فقد أبى الفريق عبود الالتزام بوعده للقائد الأعلى بإعادة الديموقراطية بعد أن ذاق رطوبة الأنداء السلطوية. ورغم الإطاحة بالفريق عبود ونظامه الشمولي في ثورة شعبية عارمة في أكتوبر 1964، إلا أن ذلك لم يمنع من قفز عقيد آخر، هو جعفر محمد نميرى، على السلطة في انقلاب جديد ليحكم السودان ستة عشرعاما حسوما. دك خلالها معارضيه بقذائف الدبابات في حى ودنوباوى والجزيرة أبا والكرمك وأمدرمان المعروفة بأنها معاقل حزب الأمة وطائفة الأنصار الذين تولوا قبل غيرهم أولى المواجهات ضد الجنرال نميري. الذي استعان عليهم بطيران الدولة المصرية عندما عجز عن كسر شوكتهم بمقدرات الجيش السوداني. فقتلهم الطيران الأجنبي قتل الفئران. وطمرهم النظام في مقابر هي حفر جماعية كوما فوق كوم لا تعرف لهم أسماء ولا هويات. ثم اعتلى (عرش) الرئاسة عقيد آخر هو العقيد المظلي عمر البشير، ليمكث فيه حتى الآن مدى تجاوز ربع قرن من الزمن وتجاوز كل الآماد التي حكمها الملوك العرب فى عصرنا هذا، وما زال العداد يرمى. طريقة السهل الممتنع التي أعدت بها انتخابات النظام الشمولي الثالث في السودان سوف تعزز مخاوف الذين ما زالوا يحلمون بعودة الديمقراطية إلى هذا الشعب العاشق للديمقراطية. فعندما يستطيع حاكم فرد أن يخرج من تحت عباءة المستحيل انتخابات يكتب قوانينها منفردا. ويشكل مفوضيتها منفردا. ويحدد دوائرها منفردا. ويختار طواقمها الإدارية والفنية منفردا. ثم يقول للناس هيت لكم. فيأتى إليه المحتاجون. وأهل العوز والحاجة زرافات ووحدانا. ولا يتأخر عنه الانتهازيون. يرمون أصواتهم في الصندوق، أو قل في الجب العميق الذي لا قرار له فتطمر في غيابة الجب والنسيان. السلاسة التي أعد بها الشموليون انتخاباتهم الفريدة هذه سوف تغري الجنرال الحالي بالتفكير في الخلود الرئاسي وتغري المنتظرين في الصف بتجريب حظوظهم عندما يحين موسم القطاف.ويمتد الأفق الساجي أمام أهل السودان. وتمتد أحلامهم. وكأنى بهم ينشدون مع الشاعر العربي القديم مؤيد الدين الطغرائي:أنظر الآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل