12 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر رايلي دنلب وويليام كاتون هما أول من بحث في علاقة المجتمعات الانسانية بالبيئة المحيطة بها وكيفية محاولة السيطرة عليها. فالبيئة لم تعد مظهرا طبيعياphysical landscape بل هي مظهر انساني landscape cultural وهذا المظهر هو في الواقع المظهر الجغرافي ولذلك يجب دراسته على اساس تاريخي اي دراسة تطور هذا المظهر من حالته الطبيعية الى حالته الانسانية، وتحليل جهود الانسان في علاقته مع البيئة خلال التاريخ حتى انتهائها الى المظهر الجغرافي الحالي. تعتبرالحتمية القديمة في مؤلفات مونتسكيية Montesquieu وقد جمعت هذه الكتابات في كتابه "روح القوانين " de iesprite de lois وفية اعتبر الانسان كائنا فردا او وحدة طبيعية تقابله قوتان كبيرتان هما الارض او التربة والمناخ، ادخلهما مونتسكيية في اعتباره دون ان يدرسهما او يحلل اثارهما في تفصيل، وعذره في هذا انه لم يكن عالما اجتماعيا. ولقد كان غرض الكتاب بلا شك فهم الطبيعة البشرية ولكن لم يبدأوا من دراسة الارض او البيئة الجغرافية بل كانوا يلجأون اليها لتفسير مايغمض عليهم ويعجزون عن تبريره من الطباع البشرية اي كانوا يقصدون التبرير لاالتعليل ومن هنا جاء خطأهم، فلقد نظروا الى المجتمعات الانسانية والبيئة الجغرافية وربطوا بينها بعلاقات سببية دون سابق دراسة. ويتحدث عن اثر السهل والجبل في الطباع ويستطرد من هذا الى اثره على النظم السياسية نفسها فالسهول الخصبة موطن الزراع المستقرين الذين يلتصقون بالارض ولايطيقون الانفصال ومثل هذه السهول تغري الاقوى بان يفرض سلطانه على المستضعف الذي لايهمه الارض وانتاجها المنتظم ومن ثم كانت مواطن الديكتاتوريات والمالكيات المطلقة المستبدة. اما سكان الجبال، فليس لديهم مايخشون عليه الا القليل ولذلك كانوا أجرأ وأقوى جنانا، ومن ثم كانت بلادهم تنعم بحرية سياسية. اما عن الحتمية الحديثة فقدتساءل ديمولان demolins في مطلع كتابه عن السبب الذي اوجد هذا العدد الكبير من الطرز الاجتماعية التي ينقسم اليها سكان العالم واوضح ان اختلاف الطرق التي سلكتها الشعوب في هجرتها فالطرق هي التي شكلت السلالة والنظام الاجتماعي السائد لدى شعب من الشعوب. وليس الطريق امرا قليل الاهمية، فطريق حشائش الاستبس الاسيوية او طريق سيبريا او طريق التندرا او طريق البراري الامريكية او طريق الغابات الاستوائية، هذه الطرق هي التي شكلت التتار والمغول والاسكيمو والهنود الحمر ودروب الصحراء في بلاد العرب هي التي كونت صفات الاشوريين وهكذا. وديمولان من اشد الحتميين تطرفا وجرأة بل هو متحمس لحتميته، كانما هو اقليدس يبرهن نظرياته، مرحلة مرحلة، وينتهي الى قوانينه التي لاتقبل مناقشة. وأخيرا ينتهي الى نتيجته النهائية وهي ان "البيئة تشكل المجتمع ". ان المدرسة الحديثة لاتنكر اثر الظروف الطبيعية او البيئة في الانسان وانها تؤكد حرية اختيار الانسان من امكانيات عديدة "من الممكن" ان يختار منها مايشاء وتؤكد استجابة الانسان لظروف البيئة وليس خضوعه لها. واثر الظروف الانسانية المحصنة "الطباع والعادات والتقاليد التاريخية ودرجة التقدم الحضاري والمهارات والقدرات العقلية والالية" في توجيه هذا الاختيار وان مبدأ الاختيار لايخضع إلا للمؤثرات الاجتماعية يلخصها مبدأ انتشار الحضارة diffusion of culture فالانسان اجتماعي لايعيش منفردا ولامعنى لتجريده عن المجتمع وما ينبغي لنا ان نتحدث عن الانسان بل يجب ان نتحدث عن "المجتمعات الانسانية " التي تؤثر بعضها في البعض الاخر بطريق التقليد او القهر والاجبار على اتباع اسلوب معين من الحياة ولهذا تنتقل المؤثرات الحضارية التي تفتح افاق الاختيار من عناصر البيئة. وأخيرا أسعد أوقاتي عندما اتلقى ردودكم واتجاوب معكم في سبيل تبادل الخبرات والادوار وتحياتي المخلصة لكم دائما وابدا وتابعوني في السلسة القادمة بالجديد.