13 سبتمبر 2025
تسجيلرمضان شهر عظيم في تدريب هذا الجانب الهام من القدرة على منع النفس وضبطها، والذي هو ربما الجانب الأضعف عند الإنسان، جانب الامتناع والإحجام وعدم الرغبة وتراجع الطمع، فالمسلم الصائم يقوّي عنده هذه القدرة النفسية طوال هذا الشهر الفضيل، حيث يمنع نفسه وطوال ساعات النهار عن المفطّرات المادية والمعنوية، بالرغم من إغرائها، وبالرغم من ميل الجسد والنفس إليها، فنجده طوال نهاره يذكـّر نفسه بأنه صائم، فهنا، وطوال الشهر، تنتصر الروح على الغريزة، والنفس على الجسد، والمعنوي على المادي، والإنساني على الحيواني، وبالتالي يكون الإنسان أقرب ما يمكن للإنسان الكامل المتوازن. إن الإنسان «الكامل» في الإسلام ليس الذي يكبت غريزته بالكلية، فهذا غير ممكن، وليس هذا من طبيعة الإنسان والأشياء، ولهذا حرّم الإنسان «الرهبانية». يقول تعالى»وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا» (الحديد 28). وإنما الإنسان الكامل في الإسلام هو الذي يُمسك نفسه عندما يتوجب عليه إمساكها، ويطلقها عندما يكون هذا هو المطلوب. يقال علميا إن تغيير السلوك يحتاج بين 20-30 يوما، ولعل في هذا حكمة صيام شهر رمضان. وفي رمضان شهر الخير والبركة فإننا نقوم بمثل هذا التغيير، متطلعين إلى تلك الدرجة الرفيعة في امتلاك النفس وصولاً بها إلى درجة «التقوى» التي طلبها الله تعالى منا، مما يصبّ في ضبط النفس. «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلك تتقون» (البقرة 183). تغيير السلوك أمر ليس بالسهل، ولكن لنذكر بأن هناك الكثير من الناس ممن ينجح في تغيير سلوكه عن طريق تغيير عاداته، وبشكل يومي، فكم من الناس من يتوقف عن التدخين، ويمنع نفسه عن شراء ما لا مبرر له، وينجح في اتباع نظام تغذية صحي، ويبدأ بالمواظبة على صلاته، أو يبدأ بممارسة الرياضة، وينجح في تسديد ديونه، ويتوقف عن بعض السلوكيات المحرمة، أو يعتاد الاستيقاظ المبكر، بعد تنظيم نومه. تقبل الله الصيام، وأعاننا على ضبط النفس، وتغيير السلوك والعادات. ورحم الله العالم الرباني جلال الدين الرومي حيث يقول في كتابه «المثنوي»: «كسرُ الصّنم أمرٌ يسيرٌ بالغ اليُسر، وأما استسهالُ السيطرةِ على النفسِ، فجهلٌ وأيُّ جهل!». (المثنوي، ج 1 ص 146).