11 سبتمبر 2025
تسجيلترتكب السياسة السعودية أخطاء بالجملة، كان آخرها بالطبع "الحركشة" بقطر عبر سحب السفير، وإلى جانبها بالطبع الثنائي "الإمارات والبحرين"، وهو خطأ كبير إستراتيجيا، فاستعداء دولة خليجية يعني نقل الأزمات الخارجية إلى أقرب نقطة "جيوبوليتكية"، للداخل السعودي، وتحولها، بشكل أو بآخر إلى أزمة داخلية بمقدار ما هي خارجية، مما يضع السعودية في مأزق حقيقي.يكفي إلقاء نظرة على الخارطة لمعرفة مدى عمق هذه الأزمة، ففي الخاصرة الجنوبية للسعودية يقبع اليمن الغارق في الأزمات، حيث يتحالف الجهل والفقر والبطالة وانتشار السلاح والاقتتال الداخلي وعدم الاستقرار وهشاشة الحكومة والاغتيالات التي تنفذها الطائرات بلا طيار الأمريكية، مما يجعل من اليمن بلدا مستباحا بلا سيادة من الناحية العملية، وسيطرة الحوثيين على مناطق واسعة وصلت إلى مشارف العاصمة.في الشرق هناك العلاقات الفاترة، تاريخيا، بين السعودية وعمان، وابتعاد مسقط عن الفضاء السعودي والتحليق بعيدا عنه، وفي الشمال الشرقي، هناك الكويت التي تقبع في "مثل الرعب" بين قوى كبيرة إقليميا، وتحاول دائما أن تكون وسطية في مواقفها لإرضاء كل الأطراف والابتعاد عن الصدام، وإلى الشمال هناك العراق الملتهب الذي يعيش حريقا يوميا، وهو أقرب إلى إيران منه إلى السعودية، مما يجعل منه صداعا في الرأس السعودي الذي يخشى أن ينتقل إليه الحريق العراقي، وإلى جانبه الأردن، الذي يمارس سياسة مياومة "كل يوم بيومه" ويحاول أن يبعد النيران المشتعلة في شرقه وشماله وغربه، عن أراضيه، وهو يجامل السعودية، لأنه يرغب بفقدان المعونات المالية، ويحاول أن يرضي الجميع، مع أن ذلك غاية لا تدرك، وإلى شمال الشمال، هناك سوريا التي ينكل فيها نظام الأسد الإرهابي بالشعب السوري، في ظل عجز عربي، وارتباك سعودي، وضع الثورة السورية كلها في قالب من الجمر، فالسعودية لا تريد انتصار ثورة يقودها الإسلاميون، وهي تفضل بقاء الأسد على حكومة إسلامية في سوريا.لكن الخسارة الكبيرة للرياض هي الورقة الفلسطينية، التي تعتبر قلب الصراع في المنطقة العربية، بسبب معاداتها لحركة حماس الإسلامية، وتأييدها لسلطة محمود عباس ميرزا، مما جعل منها طرفا خارجيا في الصراع الفلسطيني، وأسهم بدفع حماس إلى أحضان إيران من جديد، رغم المواقف المتباينة لإيران وحماس من الثورة السورية.وهناك الفشل الكبير للانقلاب في مصر، وهو الانقلاب الذي استثمرت فيه السعودية والإمارات الكبير، ماليا وسياسيا، مما وضع السياسات السعودية في "متاهة"، لا يعرف لها طريق أو مخرج، وهناك فشل إضافي في تونس التي تمكنت حتى الآن من اجتياز عنق الزجاجة والتوافق على دستور يرضي الجميع، إسلاميين وعلمانيين.والسؤال المهم هو: هل يمكن لأي نظام في العالم أن يكون له كل هؤلاء الأعداء مرة واحدة، ويشعر بالراحة والاستقرار؟ وألا يعبر ذلك عن فشل سياسي وإخفاق إستراتيجي كبير يتطلب المراجعة وإعادة النظر وتغيير المسار بدلا من تكبد المزيد من الخسائر؟أحيانا يشعر المراقب بأن السياسة السعودية تشبه لعبة القمار، فهي قامرت بكل المحيط والجوار وخسرت، ومع هذا تصر على الاستمرار في المقامرة على أمل أن تكسب في المرة المقبلة، دون قراءة جيدة للأوراق على الطاولة، فالسعودية خسرت العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وخسرت مصر "الجوكر"، ومع هذا تصر على المضي قدما لتسجيل المزيد من الخسائر وهذه المرة في قلب الدار، وقلب الجزيرة العربية، بضمها قطر إلى قائمة الأعداء أو الخصوم على الأقل، في مسعى لتحقيق "مكسب معنوي" يساعدها على تخطي "الأزمة النفسية السياسية" للنكسات المتتالية خاصة في مصر، وهذا تفكير قاصر وعاجز وضيق الأفق وعديم الجدوى، ونتائجه معروفة سلفا.