19 سبتمبر 2025

تسجيل

السياسة.. وخطأ الاجتهاد

13 مارس 2011

تصادفك أحيانا أمور حياتية ذات أبعاد واضحة المعالم، مكتملة الأركان، قادرة على الصمود في وجه من يحاول تقويضها أو النيل منها، من المكابرين الذين لا يعجبهم العجب، وإنما هم في غيهم سادرون وعن الحق منشغلون، وعن أفكارهم يذودون، كما يذود الإنسان عن وهم يحاول ان يتشبث به لينقذه من قسوة الآراء المضادة لقناعاته الذاتية، المبنية على خلفية هشة لا تصمد أمام ما تملك من حجة وبرهان. كل هذا من الأمور المعتادة لأن العناد هو العناد، ولن تفلح معه أي قوة في الأرض، لذلك عليك ان تترك الأحداث هي التي تحسم الأمور، لكن هل من حقك ان تستقوي بالدين في أمور قابلة للجدل، لتحسم الموقف في صالحك؟ حتى وإن لم يقل الدين كلمته في مثل هذه الحالة، تاركا الأمور للاجتهاد غير الملزم إلا لأصحابه ومن تبعهم؟ كل ذلك بهدف أن تسد منافذ الحوار بينك وبين الطرف الاخر حول أمور خلافية؟ هل من حقك تطويع الدين وتفسير النص الديني وفق ما تراه أنت وحدك لا ما يراه غيرك؟ هل من حقك ان تحرم وتحلل مستعينا بالقياس من خلال الاستناد إلى بعض الآيات الكريمة وبعض الأحاديث النبوية، في غير سياقها الصحيح..كل ذلك لتبرر مشروعك الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي؟ طبعا الدين هو الأكثر إقناعا في كل المواقف والحالات، لكنك هنا تتحدث عن قناعاتك الخاصة، وأساليبك الذاتية في معالجة الأمور، مستدلا بواقع الحال، وما يعنيه، وما قد ينجم عنه من نتائج بسبب وضوح الرؤية لديك فما الذي يدعوك لأن تنسى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) لتستدل بآيات لا علاقة لها بموضوع الخلاف أو الاختلاف، وإنما جاء ذكرها لتأكيد وجهة نظرك، مع أنها بعيدة كل البعد عن دلالات النص الديني الواضحة، وقدسيته المهيبة. لقد استخدم الدين لخدمة السياسة على مر العصور عندما يخضع رجال الدين للسلطة الحاكمة، ويقدمون لها فتاوى جاهزة لتبرير مواقفها، وعلى مستوى العالم كان الاجتهاد الخطأ هو الطريق الممهد للسلطة لتمرير وتبرير مواقفها السياسية حيال ما يجري حولها، وهو أمر دفع بعض القيادات إلى اتخاذ مظلة الدين للنجاة من الامتثال لحقائق الأمور إذا تعارضت مع مصالح السياسيين، وقد يبلغ الأمر ببعض القادة إلى أوهام كبيرة، منها ما تخيله الرئيس الأمريكي بوش الابن عندما قال انه يتلقى تعاليمه من السماء، وقد لعب اليمين المتطرف دينيا في أمريكا من المواقف ما أضر بأمريكا نفسها، وبالاجتهاد الخطأ في الدين ترتكب "القاعدة" تجاوزاتها في التطرف والإرهاب، وفي العالم القديم كان فرعون يقول: (أنا ربكم الأعلى) ولم يكن نيرون بعيدا عنه، وفي هذ العصر قدم هيلاسيلاسي وشاه إيران مثلين سيئين، وجاء القذافي ليستخدم الدين في صالحه، وهو الذي قال في الدين ما لم يقله مسيلمة الكذاب، كل ذلك يأتي نتيجة التفسير الخطأ لموقف الدين من أمور الحياة والناس. التاريخ يثبت لنا أن الذين يحاولون استغلال الدين من السياسيين وبالتفسير الخطأ لنصوصه.. يسيئون لأنفسهم أكثر من إساءتهم للدين، عندما تتكفل الأيام بكشف ما في مشاريعهم من شبهات لن تجدي في إخفائها أي محاولة لاستغلال الدين بالتفسير الخطأ لخدمة تلك المشاريع المشبوهة، ليبقى الدين ناصعا وقويا وخالدا، وكل الذين يحاولون استغلاله هم إلى زوال.