15 سبتمبر 2025

تسجيل

من معاني الزلزال وحكمة الله

13 فبراير 2023

(إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها) بهذه الآية التي تشبه لوحة الكارثة الطبيعية المأساوية افتتح سبحانه وتعالى سورة الزلزلة حتى يضع المخلوق في مواجهة قوة الخالق وهو ما حدث في تركيا وسوريا هذا الأسبوع فتكفلت شاشات العالم بنقل تداعيات الزلازل الرهيبة الى أنظار مليارات النشر وأكثرهم غافلون كما قال الله تعالى وبالرجوع الى كتاب الشفاء من موسوعة قانون ابن سينا في الطب (من ألف عام) تبين لي أن هذا العقل المسلم (ابن سينا الذي حرف الغرب اسمه الى أفيسين) كان أول من اكتشف أسرار الكوارث الطبيعية حين كتب يقول ما معناه: "أعالج القوى الطبيعية كما أعالج جسم الإنسان وروحه وأدركت أن الزلازل تدك سطح الأرض بسبب تفاقم البخار الناري المنبعث من نواة قلب الأرض (نواتها المركزية المشتعلة) فتتحرك طبقات ما تحتنا (يقصد ما نعرفه اليوم تحت مسمى علمي هو "صفائح التكتونيك") هذا ما عرفه الشيخ الإمام ابن سينا قبل قرون من علماء الجيولوجيا الغربية كما في الطب والجراحة والأدوية والفلك والكيمياء والفيزياء وخاصة الرياضيات وعلوم الجبر والكسور والخوارزميات التي يسميها الغرب اليوم "لوغاريتم" وهي أساس التكنولوجيا الرقمية والإنترنت! نعود الى مأساة الزلازل التركية والسورية لنؤكد أنها كارثة طبيعية ولكنها أعادت الانسانية الى قيمة من قيم الأخلاق التي كدنا ننساها وهي قيمة التراحم والتلاحم في أوقات الشدة والبأساء فاستجابت لنداء تركيا وسوريا كل الدول وكل المنظمات بسرعة وتعاقبت على المطارات والممرات قوافل الخبراء والمنقذين والأطباء والمتطوعين مما خفف من هول الفاجعة وطمأن العالم أن فيه رجالا ونساء من طينة اعتقدنا خطأ أنها انقرضت وأن الناس تحولوا الى (روبوهات) مثل الدمى المتحركة آليا تحت ضغط أزرار تجار المال والأعمال لا إرادة لهم سوى ما يملى عليهم من تعليمات! وأعترف أن أروع حكمة تلقائية نقلتها لنا وسائل الإتصال الاجتماعي بهذه المناسبة هي هذه: حكى أحد الناجين الأتراك من مدينة (كهرمان مرعش) التي تعتبر مركز الزلزال فقال:" منذ تسعة أعوام وأنا مع أسرتي نسكن شقة في عمارة صغيرة على ملك تاجر ميسور هو نفسه يسكن نفس العمارة والحقيقة أصبح يطالبني بترفيع مبلغ الإيجار وأنا أحاول إقناعه بأن (الكورونا) منعتني من ممارسة عملي عاما كاملا لأني أعمل في قطاع البناء ومع إجراءات منع التجمع والتزام البيوت انقطع رزقي مثل أغلب الناس واستطيع حتى دفع إيجار الشقة وبالتالي يستحيل علي ترفيع الإيجار... وألح مالك العمارة وشعرت بالضيق أنا وأسرتي من هذا الإلحاح حتى جاءت الساعة الرابعة من صباح الزلزال وشعرنا بقرب انهيار السقوف على رؤوسنا فتصرفنا بأقصى السرعة لمغادرة هذه الشقق المشققة والتقينا نحن الجيران في جحيم السلالم نتدافع بغريزة النجاة حتى بلغنا الشارع واكتشفنا هول الفاجعة حين رأينا جميع سكان الحي مثلنا في الشوارع تحت الثلج وظللنا ننتظر ساعة وبعض ساعة إلى أن وصلتنا سيارات الحماية المدنية تحمل الينا حشايا وأغطية ساخنة وأوقدوا لنا من الحطب نارا تحلقنا حولها نبحث عن شيء من الدفء وهنا وفي تلك اللحظة تبينت في ضوء اللهب المشتعل أن جاري اللصيق بي حول المدفأة هو مالك العمارة فبادرته بالتحية وكانت زوجته وكان عياله معنا يتقاسمون مع عيالي نفس الغطاء الصوفي وحاولت أن أرفع من معنوياته بعبارات عادية في مثل هذه المناسبات الأليمة مستعينا بما حفظته من كتاب الله حول الصبر والإيمان والرضا بما كتبه الله علينا وهو ينصت ولا يتكلم وقلت في نفسي:" سبحان الله العظيم بالثلوج الشتاء وهذا الرجل صاحب العمارة كان يلح علي في طلب الزيادة من مبلغ الإيجار وهو اليوم هو نفسه يشاهد معي عمارته تتحول إلى أكوام ردم وحجارة وحديد لعل تحتها بعض جيراننا ممن لم يهربوا في الإبان من هول الزلزال. أنا وهو في هذه المحنة نتدفأ وننتظر خيمة تسعفنا مع عيالنا من العراء! يا لها من حكمة ربانية مفادها بأن الأبقى لنا هو ما نحمله من قيم وأخلاق وتراحم لا ما نملكه من ديار وأملاك وبساتين هي من ممتلكات الله عز وجل يهبها لمن يشاء وينزعها عمن يشاء سبحانه وهو الباقي ونحن الزائلون! " انتهى كلام الرجل التركي بعد أن علمني ما لم أتعلم وتلوت في داخلي سورة الضحى التي كانت لي طيلة أيام الجمر والمنافي والملاحقات سندا ونورا مقدسا حين يطمئن قلبي بذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وأعلم أن الله سبحانه لا يتخلى عني: (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (11) صدق الله العظيم.