17 سبتمبر 2025

تسجيل

الجزائر .. الدستور محّكم أم محكوم؟

13 فبراير 2016

مرر البرلمان الجزائري بالأغلبية الساحقة النسخة النهائية للدستور بأكثر من مئة تعديل ليحل محل دستور عام 1996، حيث صوت بداية هذا الأسبوع 499 نائبا بـ"نعم" بينما عارضه نائبان فقط وامتنع 16 عن التصويت وقاطع نواب المعارضة جلسة التصويت. ومن أهم التعديلات التي تضمنها الدستور الجديد مسألة في غاية الأهمية كانت محورا لتعديلات دستورية عام 2008 مهدت الطريق لينتخب الرئيس بوتفليقة فترة ثالثة، وبما أن المبرر قد انتهى فقد تم العودة إلى تحديد رئاسة الدولة بفترتين رئاسيتين غير قابلتين للتجديد، وإدراج ذلك ضمن المواد التي لا يمكن لأي رئيس مراجعتها مستقبلا. ويتضمن الدستور الجديد أيضا مادة تعتبر اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، ورغم أن ترسيم اللغة الأمازيغية في هذا المستوى المتقدم فإن ذلك لم يشكل هما وطنيا أو أولوية لكن يبدو أن الرئاسة الجزائرية رأت في ذلك حدثا كبيرا يمكن أن يكون بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة. ورغم الارتياح الكبير في أوساط الموالاة وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وكذا زهو الحكومة الجزائرية بما تم إنجازه، واعتبار ذلك وفاء من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتنفيذ حزمة الإصلاحات التي تعهد بها إبان المد الثوري الجارف أو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي عام 2011 الذي أجبر كل الأنظمة العربية على اتخاذ إجراءات وقائية تمنع اندلاع النيران تحت كراسي الحكم، فإن المعارضة الجزئرية رأت في التعديلات المعتمدة كشفا لعيوب نظام يسعى لربح الوقت والهروب إلى الأمام في ظل مؤسسات غير شرعية تغيب الشعب الذي هو أساس أي دستور، ويؤكد كثير من الباحثين والسياسيين أن الأزمة السياسية في الجزائر لم تكن يوما في النصوص الدستورية ولكن في الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة وعدم احترام وتطبيق الدستور والقوانين ويتهمون السلطة باعتماد نفس مقارباتها المعهودة في القضايا الاستراتيجية، خاصة إقرار الدستور الذي افتقر إلى روح التوافق السياسي الوطني الذي تقتضيه المرحلة الصعبة. في كثير من دول العالم ينظر إلى الدستور على أنه عقد اجتماعي ومقياس حضاري يعمل على انتظام العلاقة بين السلطة السياسة والشعب من جهة وبين أفراد الشعب أنفسهم لجهة العدالة والمساواة والحق في السلطة والثروة، بينما تتحول الدساتير في العالم العربي إلى أداة للسلطة المطلقة والدليل أن كل رئيس أو حاكم عربي يعتلي سدة الحكم تكون أولى مهامه إما تعليق العمل بالدستور كثيرون يرون أن الإصلاحات التي خاضها الرئيس بوتفليقة ومنها قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية وإقالة جنرالات في الجيش والاستخبارات وموظفين ساميين حامت حولهم شبهات الفساد لم ترق إلى طموح الجزائريين، لكن نظرة فاحصة في المحيط العربي المكفهر تجبر أي متابع للأحداث على رفع القبعة للرئيس بوتفليقة لأنه استطاع المحافظة على قدر معتبر من الاستقرار السياسي وفق الأدوات الدستورية التي طوعها لاستمرار مسيرته الممتدة على ثلاث فترات أو عهود رئاسية، أما إشكالية الدستور في الجزائر وفي العالم العربي فستظل قائمة ما لم ينظر إلى الدستور على أنه محّكم لا محكوم بأهواء الحاكم.