16 سبتمبر 2025
تسجيلطالما راقب الإنسان الطيور وهي تحلق في السماء بدهشة وإعجاب متمنياً في قرارة نفسه لو تمكن مثلها من التحليق نحو الأعلى برشاقة وخفة وحرية...وبين الإنسان والطيور علاقة جدلية عمرها من عمر البشرية، فالإعجاب والدهشة وبقية المشاعر المتضاربة والمتناقضة والتي عكسها في علاقة صداقة وتعاون مع بعض الطيور، وعلاقة عداء ونفور مع بعضها الآخر تبعاً لتكوين الطائر الفسيولوجي ومظهره الخارجي وتكوينه النفسي، ومن الطيور ما اجتهد الإنسان طويلاً في تربيتها وتدريبها وتعليمها ليصطاد ويقنص بها طيوراً وحيوانات أخرى. ومنها ما أعطى لنفسه الحق بإعدامها وقتلها دون تردد، مثل تلك التي اعتبرها ضارة به وبمحاصيله الزراعية ومنها الغربان.ومن الطيور ما كانت مصدراً لغذاء الإنسان فكان تدجينها وتربيتها في المزارع والبيوت إحدى إنجازات البشرية في مراحلها الأولى.بينما خص بعض الطيور بدلاله ومحبته لحجمها الصغير وطبيعتها المسالمة أو لصوتها المميز وللون ريشها الجميل الأخضر أو الملون.وبين هذا النوع أو ذاك من الطيور أصناف شتى كان للإنسان معها علاقة تجاهل أو حياد أو مشاعر مختلطة بين العداء والقبول.والعلاقة بين الإنسان والطيور لم تكن مجرد علاقة مباشرة بل تجاوزتها لتكوّن منظومة ثقافية ورمزية معقدة، فالطيور كانت جزءاً من الموروث الشعبي لكل شعوب وأمم الأرض دون استثناء، فالكثير من الأغاني والقصص والأمثال والحكم تكوّن الطيور جزءاً منها أو محوراً لها. فأمثال مثل (إن الطيور على أشكالها تقع) و( طارت الطيور بأرزاقها) والأغنية الشهيرة حمامة نودي نودي والتي تبدأ بالحمامة وتنتهي بتسلسل الأحداث إلى ان تصل إلى أصل الخلق والكون وهو الله سبحانه وتعالى، كلها تدل على أن الطيور مثلت في ثقافاتنا عنصراً محورياً.والرمزية التي أسقطها الإنسان على الطيور في جميع الحضارات الإنسانية والتي تكاد تتفق على ما لهذا النوع من الكائنات من أهمية، فالريش الذي يلف رؤوس زعماء الهنود الحمر تعبيراً عن السلطة والقوة، والطيور التي زيّن بها الفراعنة وسكان وادي الرافدين القدماء مقابرهم، والتي رسمها المسيحيون في كنائسهم على الأيقونات المقدسة، وما اُكتشف من نماذج للطيور في الصروح التي خلفتها الحضارات المنتشرة في أرجاء العالم الأربعة.كذلك أعطت معظم الشعوب الطيور قدرات خارقة، تجاوزت القدرات الفعلية لهذا النوع من المخلوقات، فطائر العنقاء الأسطوري لدى الشعوب العربية القديمة الذي يحترق ليخرج من النار أقوى وأجمل، يرمز إلى التجدد والخلود، ذلك الهدف الأزلي المستحيل للإنسان.كما يعتبر التشاؤم أو التطيّر نوعا من إعطاء القوة الخارقة للطيور، حيث يمكن للطير باعتقاد المتطير أن يغيّر من واقع ما. وكلمة التطيّر في اللغة العربية اُشتقت من الطير، ففي الجاهلية اذا خرج الرجل لأمر ما قصد عش طائر فهيجه فإذا طار من جهة اليمين تيمن به ومضى في الأمر ويسمون الطائر (السائح)، وإذا خرج من جهة اليسار تشاءم ورجع عن ما عزم عليه ويسمون هذا الطائر (البارح).ورؤية البوم لدى الكثير من الشعوب تمثل نذير شؤم يتربص بالمكان الذي تنعق به البومة، وربما كان سبب التشاؤم الذي ارتبط بالبوم كونه يستوطن الخرائب والأماكن المهجورة وينشط ليلاً ليطلق صوته الذي يشبه النواح.وفي هذا تقول العربفَلاَةٍ لِصَوْتِ الجِنِّ في مُنْكَرَاتِها هَريرٌ وللأبْوامِ فيها نوائحُومن الطيور الأسطورية التي آمن عرب الجاهلية بوجودها، الهامة وهي نوع من البوم أو طير من طيور الظلام، تخرج من رأس الميت المقتول غدراً ولم يؤخذ بثأره وتدور حول القبر ناعقة (إسقوني من دم قاتلي)، وقد أنكرها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بقوله (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة).