16 سبتمبر 2025

تسجيل

في مصر..عرف الشعب طريقه

13 فبراير 2011

أخيرا انتصرت إرادة الشعب المصري البطل وتنحى رئيسه الذي عاث فسادا في مصر، حتى بلغ السيف الزبى، وكان القدر له بالمرصاد، ليسقط من عليائه كغيره من الزعماء، الذين فقدوا شعوبهم لأنهم لم يعرفوا حقيقة هذه الشعوب، أو هم عرفوها وتجاهلوها مع سبق الإصرار والترصد، حتى جاءت لحظة الخلاص، واستعادة تلك الشعوب كرامتها المهانة، وإرادتها المسلوبة، وطموحاتها المغيبة، بفعل التجاهل لحقوق المواطنين المشروعة، والتناسي للوعود البراقة التي تقال للتخدير وتجاوز المحن الطارئة، لكن منطق التاريخ، تحتم عدم دوام الظلم، رغم محاولات أعوان النظام والمستفيدين منه.. فرعنة رئيس النظام أو تأليهه، مع أن عهود الظلم والسيطرة المطلقة قد ولت، في عصر الحرية والديمقراطية والممارسة الفعلية لحقوق الإنسان وفق ما تمليه القوانين والأنظمة الدولية، وقبلها الرسالات والأديان السماوية. عاشت مصر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية في حراك سياسي مضطرب، لكنه كان ثابت الخطى، وراسخ الإيمان بما يحمله المستقبل من وعود صادقة للنصر، بعد أن برزت ملامح التلاحم بين الشعب والجيش الأمين على أمن مصر وكرامة أبنائها، وكان انحيازه للمتظاهرين وقودا لتصعيد وتيرة الإصرار على رحيل الرئيس، ولتكون كلمة الحق هي العليا.. وخلال أسابيع الصمود والتحدي في ميدان التحرير (ساحة الشهداء) كانت أنظار العالم تتجه إلى مصر الحبيبة، وكانت أنظار وقلوب العرب أكثر متابعة وتحفزا لما يجري على أرض الكنانة، خوفا وخشية لما قد يتعرض له المصريون من مواجهات وتحديات مفاجئة، حتى تنفس الجميع الصعداء عندما أعلن الرئيس تنحية عن السلطة في لحظة تاريخية تضاف إلى سجل انتصارات الشعب المصري العظيم، صانع الحضارات.. عبر تاريخه الطويل.. فقد عرف الشعب طريقه على أيدي شبابه الذي لا يحق لأحد بعد الآن المساومة أو المزايدة على قدرته لتحقيق المعجزات. وعلى مصر يعلق العرب آمالهم في مواجهة العدو وتعديل مسار التوجهات الخاطئة للسياسات العربية المتخاذلة تجاة عدو لا يعرف سوى منطق القوة، ولا يعرف سوى لغة المجابهة، ولأنها أكبر دولة عربية، فإن آمال العرب كبيرة في أن تستعيد مصر مكانتها القيادية المرموقة، وتستعيد موقعها المؤثر والفعال في عالم عربي ممزق، شتته اتفاقيات السلام التي لم تأت بأي سلام، ومزقته حروب استنزفت ثرواته، وأدخلت مصر في نفق المعونات الخارجية المشروطة بالتنازلات المعيبة، مما لا يتناسب مع مكانة مصر الأقليمية، وما تتمتع به من ثروة بشرية وزراعية هائلة كفيلة بأن تكون سلة غذاء للعالم العربي بكامله، لولا عبث بعض أصحاب رأس المال الذين اقتربوا من السلطة وتسلطوا عليها، ودفعوها للانحراف عن مسار التنمية لصالح المواطنين.. لتنخرط في مشاريع استثمارية جنى منها أركان النظام ثروات طائلة على حساب المواطن المصري، ومنهم من يسكن المقابر والعشوائيات ويعيش تحت خط الفقر، وأمام ناظريه خيرات النيل التي كانت تمد مصانع العالم بالمواد الخام من القطن إلى قصب السكر إلى الذرة إلى الصيد البحري، وثروات طبيعية أخرى كثيرة.. وأهم من ذلك كله.. تمد العالم بالخبراء والعلماء الذين انتشروا في أوروبا وأمريكا ليسهموا في بناء حضارة العصر وتقدمه وازدهاره. ما حدث في مصر على يد شبابها يعتبر منعطفا تاريخيا ليس على مستوى مصر وليس على مستوى المنطقة.. بل على مستوى العالم، لأن قوى كثيرة إقليمية وعالمية لابد أن تحسب لهذا الشعب ألف حساب، وتحسب لما حدث مليون حساب، وهو درس بليغ لابد أن يعيه من تعنيه نفسه، وتعنيه أوضاع شعبه، من القيادات العربية التي وضعت بينها وبين الحرية والديمقراطية والعدالة سدودا منيعة، جعلتها في واد وشعوبها في واد آخر. حفظ الله مصر قلعة للحرية وقائدة للعروبة، وحفظ شعبها مصان الكرامة، مهاب الجانب، عزيز النفس، يرفل في أثواب الحرية والديمقراطية، مشرق الحاضر والمستقبل.