13 سبتمبر 2025
تسجيلليست هي المرة الأولى التي تهز فيها أحداث مصر العالم بأسره، فقد حدثت مثل هذه الهزة أثناء تأميم قناة السويس وحرب 1956 وكادت تقود العالم إلى حرب نووية بسبب تهديد الزعيم السوفيتي السابق نكيتيا خرتشوف لبريطانيا وفرنسا باستخدام الصواريخ السوفيتية المنصوبة جنوب الاتحاد السوفيتي ضدها، كما اهتز العالم مرة أخرى بعد حرب أكتوبر من عام 1973، حيث أدى ذلك إلى الطفرة الأولى لأسعار النفط لتتضاعف من أقل من دولارين للبرميل لتصل إلى أكثر من 11 دولارا. أما الأحداث الحالية، فقد اشعلت العالم حماسا وساهمت في ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز 100 دولار للبرميل ولأول مرة منذ بداية الأزمة المالية العالمية في سبتمبر من عام 2008 مما يشير إلى أهمية هذه التطورات وتأثيراتها على مختلف بلدان العالم، وبالأخص البلدان العربية والتي خسرت أسواق المال فيها أكثر من 40 مليار دولار في ثلاثة أيام. وإذا كانت لأحداث مصر مثل هذه التأثيرات في العالم، فإن تأثيرها على الأوضاع الداخلية أعمق بكثير، بما في ذلك على المستقبل الاقتصادي لبلد يشهد واحدا من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، في الوقت الذي لا تنمو فيه بنيته الاقتصادية بنفس النسب، مما يؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة ويعمق من أزماته المتكررة والتي يزيدها عمقا انتشار سوء الإدارة والفساد، باعتبارهما ضاهرتين تميزان العالم النامي بشكل عام. وفي هذا الصدد قدرت خسائر مصر بأكثر من مليار ونصف المليار دولار في قطاع السياحة وحدة، حيث غادرها مليون سائح في الأيام التسعة الأولى، كما أن خسائر الاقتصاد المصري اليومية تتجاوز الثلاثمائة مليون دولار، هذا عدا هروب رؤوس الأموال ووقف تدفقها على الاقتصاد المصري. لذلك، فإن تنحي الرئيس وتشكيل إدارة جديدة للبلاد يتيح إمكانات حقيقية لحل الأزمات الاقتصادية وتحسين مستويات المعيشة للحد من ازدياد معدلات الفقر الذي تعاني فئات واسعة من الشعب المصري، إلا أن ذلك يتطلب الاهتمام بالجوانب الاقتصادية للبرامج القادمة، سواء للحكومة الانتقالية أو في فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وذلك على اعتبار أن الأحداث الأخيرة في مصر ستتمخض عنها مكاسب عديدة على الصعيد السياسي، بما فيها التعديلات الدستورية وتحديد ولاية الرئيس ووضع الانظمة والقوانين التي تحد من الفساد، مما يفتح المجال أمام القيام بإصلاحات شاملة على مختلف الأصعدة، إلا أن من المهم أن يتم التركيز على الإصلاحات الاقتصادية التي ترتبط مباشرة بحياة الناس المعيشية، وذلك بعد الانتهاء من التعديلات الدستورية وتثبيت الانتقال السلمي للسلطة وتداولها وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. وحتى الآن تم التركيزعلى البرامج السياسية للأطراف المشاركة في الانتفاضة، في الوقت الذي يعتبر فيه الدافع المعيشي هو المحرك الأول للاندفاع الشعبي الهائل نحو ساحة التحرير في القاهرة والميادين العامة في المدن المصرية. وضمن هذه الإصلاحيات، تأتي في المقدمة منها الإصلاحات الاقتصادية وسرعة عودة قوة الدفع للاقتصاد المصري من خلال الإسراع في إعادة تشغيل المرافق العامة وعودة النشاط للقطاع السياحي وقطاع الخدمات، بما فيها الخدمات المالية والمصرفية والتي تشكل أهمية بالغة، علما بأنها ترتبط بحياة ملايين المصريين العاملين في هذين القطاعين، وذلك إضافة إلى الحد من هروب رؤوس الأموال والعمل على استقطاب رؤوس أموال جديدة لإنعاش الاقتصاد والمحافظة على الأموال والعائدات العامة، بما فيها إعادة النظر في أسعار مبيعات الغاز لإسرائيل لتتساوى مع أسعار الغاز في الأسواق العالمية. أما على المدى المتوسط والبعيد، فإن إيجاد تناسب بين الزيادة السكانية والموارد المتاحة تعتبر مسالة مفصلية لزيادة معدلات النمو ورفع مستويات المعيشة وتطوير البنى التحتية، سيتفتح آفاقا كبيرة للنمو المستقبلي للاقتصاد المصري والذي يملك مقومات التقدم من موارد بشرية وطبيعية، وبالتالي يضمن لمصر التقدم بعد استقرار الأوضاع هناك.