14 سبتمبر 2025

تسجيل

فلافيوس إيتيوس – آخر أبطال الرومان

13 يناير 2021

في الفترة بين عامي 430 و450 ميلادية وفي فترة ضعف الامبراطورية الرومانية، ظهرت على الساحة السياسية والعسكرية الاوروبية قوة همجية شرسة هي قبائل (الهون) (Huns)، وهم قبائل اوروبية اختلف الباحثون في اصلها، فمنهم من قال انهم ينحدرون من أصول مغولية وتترية، ومنهم من قال غير ذلك في كلام كثير، لكن المهم انهم كانوا خليطا من قبائل وشعوب وثنية همجية من البدو الرحّل. وكانوا على درجة عالية من الشدة والبأس، بالاضافة الى اعدادهم الهائلة، علاوة على فروسيتهم الفائقة وتميزهم بها عن غيرهم من الشعوب، فكان يقال ان الفارس منهم يعيش اياما على ظهر فرسه ولا ينزل الا لقضاء الحاجة فقط، فكان يأكل ويشرب وينام على صهوة جواده، خصوصا في حملاتهم العسكرية او خلال رحلات الصيد. وقد وصلت قوتهم ذروتها تحت قيادة زعيمهم الشهير (أتيلا الهوني)، فقاموا بشن غارات مدمرة على الدول المحاذية للإمبراطورية الرومانية، فدمروا تلك الدول وقهروا من كان هناك من الشعوب المضيومة التي فرت منهم الى داخل حدود الامبراطورية الرومانية طلبا للأمان من قهر الطغاة. ومع هذا الفرار والازدياد المفاجئ في التعداد السكاني وزيادة العبء الاقتصادي على كاهل الامبراطورية الرومانية، انتهز (الهون) الهمج الفرصة وضربوا حصارا هجميا على تلك الدولة العريقة، وكانوا يطالبونها بمطالب سخيفة فيهددونها، إما بدفع الجزية والاتاوة تارة او بالغزو والتهديد العسكري المباشر تارة أخرى، وعقدوا لذلك التحالفات وجيشوا الجيوش، وكانوا على وشك اجتياح الامبراطورية فعلا. وفي ذلك الظرف الدقيق والحساس ظهر على المشهد السياسي الجنرال البطل - فلافيوس ايتيوس - او (آيشوس)، وفعل بالهمج الافاعيل فدوخهم وضرب بعضهم ببعض في تكتيكات بالغة التعقيد والذكاء، شملت جميع المستويات، فتجده تارة يفت في عضد العدو بالحرب النفسية التي كان مبدعا فيها، وتارة اخرى تراه يعقد التحالفات مع باقي قبائل اوروبا كالقوط الشرقيين (Ostrogoth)، وأحيانا بعض قبائل الهون انفسهم، في استغلال مذهل لكل التناقضات السياسية والعسكرية المتاحة آنذاك، الى ان تمكن أخيرا من تحطيم قوة الهمج وكسر تحالفاتهم في براعة قلما تجد لها نظيرا في التاريخ. بدأ هذا البطل الروماني حياته كرهينة عند احد ملوك القوط الغربيين (Visigoth)، ثم انتقل للعيش كرهينة عند احد ملوك الهون، ما مكّنه من معرفة تلك الشعوب وعاداتهم وطرق تفكيرهم، فاكتسب بذلك الخبرة والمعرفة اللازمة التي ساعدته على هزيمتهم لاحقا، بعد سلسلة من المعارك العسكرية الحافلة بالكثير من القيادة البارعة والتكتيكات العسكرية التي اكتسبها ايضا على مدى عشرين عاما قضاها في السلك العسكري، الى ان تكللت جهوده بالنصر العظيم على اتيلا الهوني نفسه في معركة (الحقول الكاتالونية) أو شالون (Châlons)، بعد ان تمكن من تشكيل جيش عرمرم بفضل تحالفاته الذكية، فقاد الكثير من القبائل والشعوب الاوروبية كالساكسون، والقوط، والفرنجة، والبورغونديون، وغيرهم من الشعوب التي تمكن ذلك الجنرال الفذ من اقناعهم بالانضواء تحت رايته. وبالرغم من تمكنه من تحقيق آخر نصر في عمر الامبراطورية العتيقة الا ان قصص الابطال لا تنتهي دائما كما تشتهي السفن. فبعد تلك المعركة الكبرى واقتناع الهون أخيراً بالصلح وتوقف القتال، علّق فلافيوس ايشوس سلاحه على جدار بيته، معتقداً انه فعل كل ما بوسعه للدفاع عن وطنه وتقديمه الغالي والنفيس، وعاد ليمارس حياته الطبيعية ولكن اعداء النجاح ممن لم يكن لهم هم سوى مصالحهم الشخصية ولو على حساب اوطانهم كانوا له بالمرصاد، فسعوا بالوشاية بينه وبين الامبراطور فالنتنيان الثالث، فتم اغتياله داخل بلاده، تلك البلاد التي لم تقم لها قائمة بعده واستمرت في الانحدار والضعف حتى انهارت في حدود عام 476 ميلادية على يد قبائل الهون، منهية بذلك حكم واحدة من اعرق الامبراطوريات التي عرفها التاريخ. ورحم الله الرئيس الشهيد الذي صدق حين قال: لا تقتلوا أسودكم فتأكلكم كلاب اعدائكم، وكان هذا ما حصل للرومان، ولكل زمان دولة ورجال والتاريخ دروس وعبر. ‏[email protected]