12 سبتمبر 2025

تسجيل

حرب على الحضارة (2-2)

13 يناير 2015

بعيدا عن الجوقة الإعلامية العالمية التي تبدو وكان مايسترو واحد يقودها في مشارق الأرض ومغاربها مع سيطرة وسطوة وكالة الأنباء الفرنسية ورويترز البريطانية والاسيوشيتدبرس الأمريكية إضافة إلى الصحف والمحطات والإذاعات التي تنضوي تحت مظلة امبراطورية اليهودي الأسترالي روبرت ميردوخ وشركاه، فإن التعامل مع الهجوم المسلح على جريدة تشارلي ابيدو الفرنسية الساخرة التي نشرت رسوما مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يبدو غريبا ومحموما على نحو مريب، فهذا الإعلام وضع الهجوم في مركز الحدث الكوني، وفجر حملة من "التجييش" الهائل.هذه الحملة التي حولت جريدة "تشارلي ابيدو" إلى العنوان الرئيس في كل نشرات الأخبار في العالم، رغم وجود بؤر أكثر سخونة وأكثر دموية مثل البراميل المتفجرة التي تحصد أرواح مئات الأبرياء في سوريا والمذابح المستمرة في العراق واليمن وحصار 2 مليون إنسان في قطاع غزة، مما يكشف طبيعة الاستعمار الإعلامي للعالم، الذي لم يكسر من حدته وهمينته إلا قناة الجزيرة.الحكومة الفرنسية سمحت للصحيفة بنشر الرسوم المسيئة والمهينة للرسول صلى الله عليه وسلم، بحجة "حرية التعبير" وكان يمكن تصديق الحكومة الفرنسية لو طبقت معيارا واحدا على الجميع، إلا أن الوقائع تثبت غير ذلك، فاليوم ستبدأ محاكمة رسام الكاريكاتير الشهير موريس سيني "80 عاماً"، والملقب بـ "ساين" بتهمة معاداة السامية، لرسمه صورة لابن الرئيس السابق نيكولاي ساركوزي وهو يعتنق الديانة اليهودية، وقال عنه إنه يعتنق اليهودية من أجل المصلحة الشخصية والإثراء المالي، وللمفارقة فإن هذا الرسام الساخر نشر رسمه في نفس الجريدة "تشارلي ابيدو" إلا أنه طرد من الصحيفة، وقامت الدنيا عليه، واتهم بأنه يعادي اليهود.هذا الرسام ليس الوحيد فقد منع مجلس الدولة الفرنسي الذي يعتبر أعلى سلطة في القضاء الإداري في فرنسا، الكوميدية الفكاهي "ديودونيه" من تقديم عروضه بسبب إشاراته التي يفهم منها أنها معادية للسامية، وتم محاصرة المسرح الذي يقدم فيه عروضه بقوات الشرطة والدرك، وبرر مجلس الدولة أن منع "ديودونيه" المنع لأن هناك "خطورة لإمكانية الإخلال بالنظام العام"، ورحبت الحكومة الفرنسية بـ"انتصار للجمهورية" بعد الإعلان المنع، وقال وزير الداخلية "لا يمكن التساهل حيال الحقد ضد الآخر والعنصرية ومعاداة السامية والإنكار، هذا مستحيل، هذه ليست فرنسا".، وقال رئيس الوزراء "لا يمكننا أن نقبل في مجتمعنا أدنى مسايرة مع معاداة السامية الغريبة كليا عن قيمنا ومبادئنا".الحكومة الفرنسية اعتبرت الرسام الساخر "ساين" والكوميدي الساخر "ديودونيه" خطرا محتملا على النظام ويخرقان القيم والمبادئ الفرنسية لأنهما اقتربا من اليهود، أما السخرية من الإسلام وعقيدته ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فهو مسموح ولا يناقض القيم الفرنسية، فالاعتداء على الإسلام "حرية" وانتقاد اليهود "خروج على القانون"، وهذا قمة النفاق والكذب والاستهانة بالمسلمين وعقيدتهم.استشهد بما قالته جريدة فاينانشال تايمز عن شارلي ابيدو بأنها "صحيفة سخيفة تتعمد استفزاز المسلمين وتتهكم على الدين الإسلامي"، وذهب رئيس الكاثوليكية الأميركية بيل دونوهيو أبعد من ذلك بقوله "إن رسامي " شارلي إبيدو" تصرفوا كبلطجية فاجرين، وإن من حق المسلمين الغضب. وتساءل "أنا متعب من هؤلاء الصعاليك الذين يطالبون المسلمين بتحمل كل ما يوجه إليهم، لماذا لا تختلف مع المسلمين بطريقة حضارية بدلا من التصرف كحفنة من الفاجرين البلطجية؟".ولعل رئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دو فيلبان التقط الخيط مما يجري ولم يتردد أن يتهم "الغرب بصنع ما وصفه بالإرهاب الإسلامي، محذرا من أن فرنسا تجر إلى حرب خارج السيطرة". وهي حرب تندرج حتما حتى شعار "صراع الحضارات" الذي بشر به الغرب نفسه.