20 أكتوبر 2025

تسجيل

حاصروا قطر فحاصرهم العالم

12 نوفمبر 2018

أروع معاني الخطاب الأميري أمام مجلس الشورى تتلخص في كلمة (الاعتبار)، نعم (الاعتبار)، فصاحب السمو لم يكتف باستعراض المكاسب والإنجازات، وهي عديدة بلا شك، لكنه أراد أن يتجاوز اللحظة الراهنة التي يمر بها الخليج والعالم العربي عموما، إلى ما بعدها، فقدم درسا راقيا في السياسة وفلسفة الأخلاق وضرورة إرساء منظومة الأخلاق على العلاقات الدولية. وأشكر الزميل عبد العزيز الخاطر، الذي مثّل موقع الخطاب في هذا الفلك الأخلاقي صلب مقاله الأخير، وكذلك الزميل صادق العماري، الذي حدد الأبعاد الدولية الأخلاقية لخارطة الطريق القطرية، كما رسمها صاحب السمو. الأكيد أننا، نحن العرب، وبخاصة أهل الخليج، نعيش مفترق سبل تاريخية في أعقاب أزمات مزلزلة هزت كيان العرب، وحطت من منزلتهم، وصادرت ليس استقلالهم فقط، بل قيمهم وتراثهم وإرادتهم، فلم نعد نتحكم في مصائرنا بفعل السفهاء منا، وخذ يا قارئي الكريم مثال الحصار الجائر الذي سيرفع قريبا، لكنه وقع، واليوم لم يعد له معنى، بعد أن سمعنا مدحا لتقدم قطر ومناعتها يأتيك من أفواه الذين أعلنوا الحصار أنفسهم، وراهنوا على انهيار دولة قطر، واختاروا إخضاعها ومصادرة سيادتها، وإسكات صوت جزيرتها، ففوجئوا بالعالم يحاصرهم وعشنا حتى شهدنا على إدانة الرأي العام العالمي لممارسات دول الحصار، وعلى الخرس الذي أصاب تلك الأصوات الناعقة المأجورة نفسها، والتي طالما ملأت وسائل الإعلام، فبررت الحصار وصنعت الأكاذيب تلو الأباطيل لتلقي التهم جزافا على دولة قطر. وتذكروا فحيح ذلك (المحلل السياسي!) يطلع علينا بالحقيقة المزيفة الدامغة، ليقول بلا حياء أو خجل بأن قطر عميلة، بينما يتكلم الإخوة الفلسطينيون بلسان الحق الناصع، بأن قطر تعيد إعمار القطاع، وتشيد المشافي وتعيد شبكات الكهرباء، أو ذلك المعلق المصري المهووس المعروف، يؤكد لجمهوره المسكين بأن قطر تؤوي الإرهاب والإرهابيين، ثم يصاب بعد 2 أكتوبر بخرس، فيصبح أبكم وتغيب عنا طلعته البهية من الشاشات، لأن العالم استيقظ يوم الثاني من أكتوبر على حقيقة ساطعة، تجلت بوضوح، وهي أن إرهاب الدولة لم يصدر عن دوحة الخير والسلام، بل صدر في أفظع تجلياته عن عاصمة جارة شقيقة، لم نتوقع منها هذا النوع غير المسبوق من الإرهاب الرسمي، ليس فقط ضد رجل منهم من أفضل وأشهر رجالهم، ثقافة وحرية واعتدالا ورفضا للعنف، بل ضد العالم بأسره، وضد الضمير الإنساني وقيمه وأخلاقه والمواثيق الأممية التي وقعوا عليها ! ولعل الخير قادم من حيث لا نعلم، لأن هذه المصيبة التي حدثت سوف تعجل بانتهاء الحصار، وانتهاء الحرب العبثية القاتلة في اليمن الشقيق، الذي كان ذات يوم صرحا سعيدا و...هوى!. لعل الأمن قادم بعد أن تعيد المملكة، التي نكن لها كل المحبة، ترتيب بيتها الأسري، فيعود عامل استقرار للمنطقة كما كان. ولعل الرأي العام العربي يدرك أخيرا أن قوة الأمم لا تضمن بالتهور الأخرق، ولا بالمغامرات المستهترة، بل بالأخلاق الأصيلة التي لا تتردد عن الرجوع للحق والفضيلة، حين تختلط السبل وتضيع البوصلة وتَدْلَهِمُّ الطرق ويعسعس الليل. جاء خطاب حضرة صاحب السمو في مجلس الشورى يبشر بالفجر القادم الذي سيبدد الظلمات، ويفتح في وجوهنا أبواب الأمل والنور مهما تفاقمت الأزمات !. تأكد العالم اليوم أن الموازين الدولية بدأت تتغير بسرعة، لتنصف المظلوم من الظالم، وظهرت تلك التغييرات حتى في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي هذا الأسبوع، فدخلت الكونغرس لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة سيدة مسلمة محجبة، لتساهم في تحديد الخيارات السياسية الكبرى لأكبر دولة عظمى في العالم. فهل يتهم هؤلاء المهووسون العرب المؤسسة التشريعية الأمريكية بكونها أصبحت وكرا للإخوان ومصنعا للإرهاب !!! كما أضحكوا الرأي العام في مجتمعاتهم وفي العالم حين طلع منهم (معلق ومحلل) يوم 3 أكتوبر يقول بكل صفاقة بأن جمال خاشقجي اختطفته تركيا واغتالته قطر ونفذ الجريمة رجال من حماس وحزب الله!. نعم تغيرت سياسات الاتحاد الأوروبي أيضا بالصمود أمام طلبات الرئيس ترامب بإلغاء الاتفاقية مع الجمهورية الإيرانية حول البرنامج النووي، ولاحظنا مواقف هذا الاتحاد القوي، وروسيا والصين إزاء العقوبات التي يريد ترامب تنفيذها على إيران. إن العلاقات الدولية تشهد كذلك سعيا مشتركا لإعادة النظر في اتفاقية فيينا للتنظيم الدبلوماسي والقنصلي بعد أن اكتشف المجتمع الدولي هول ما حدث لمواطن اجتاز باب قنصلية بلاده، واحتمى برايتها، فلم يخرج منها إلا إربا إربا في سابقة تاريخية مروعة. إنه أوان الحصار الأكبر الذي يضربه العالم كله حول أعناق من خرجوا عن القانون الدولي، وهددوا السلام العالمي. فهل تبزغ شمس الغد الأفضل حتى جراء فاجعة ذهب ضحيتها رجل شهم دفع الثمن غاليا، وبعد صمود رائع لدولة قطر التي تمسكت بثوابت أخلاقها السياسية وهو ما قرأناه في خطاب صاحب السمو؟.